يرتفع التوتر للمرة العاشرة بين كل من برلين وأنقرة، في غضون أقل من سنة واحدة، وذلك بعد إلغاء فعاليتين كان سيشارك فيهما كل من وزير العدل التركي، بكير بوزداغ، ووزير الاقتصاد، نهاد زيبكجي، للقاء الجالية التركية في ألمانيا، لأسباب لا تبدو مقنعة بالنسبة لأنقرة على الأقل، إذ لا ترى فيها أكثر من رد على قيام السلطات التركية باعتقال مراسل صحيفة "دي فيلت" الألمانية في تركيا، ما دفع بالمعارضة والحكومة التركيتين إلى إدانة التصرف الألماني، وصولاً إلى استدعاء وزارة الخارجية التركية للسفير الألماني في تركيا للاحتجاج على الأمر.
وسحبت مدينة غاغيناو الألمانية التابعة لولاية بادن فورتيمبيرغ الألمانية، الإذن الذي منحته لإقامة تجمع يحضره وزير العدل التركي برفقة الجالية الألمانية في المدينة بحجة عدم كفاية مساحة المكان، كما لم تمنح مدينة كولن الإذن لإقامة تجمع آخر للجالية التركية في المدينة بحضور وزير الاقتصاد، كان من المخطط إقامته غداً الأحد.
وأدى التصرف الألماني إلى صدور ردود فعل شديدة اللهجة من قبل المعارضة التركية، إذ دان زعيم حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة الكماليين)، كمال كلجدار أوغلو الأمر، بالقول: "لقد تم إلغاء الفعالية التي كان سيتحدث فيها نائبان عن العدالة والتنمية في ألمانيا، الأمر الذي لا يمكن أن نراه صحيحاً"، موجهاً كلامه للحكومة الألمانية بالقول: "تعطون دروس الديمقراطية في كل مكان من العالم، ولكن عندما يود وزيران من حزب معين الحديث، تقومون بمنعهما لسبب أو لآخر. نحن لا نرى هذا الأمر صحيحاً. لهم الحق في الخروج والتحدث عن أفكارهم. يحق للجميع أن يعبروا عن آرائهم بحرية".
من جانبه، أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، أن "الدولة العميقة" في ألمانيا تقف خلف إلغاء الفعاليات بالقول: "إلغاء فعالية كان سيحضرها وزير العدل التركي في ألمانيا، يأتي في إطار الممارسات الممنهجة للدولة العميقة"، مضيفاً: "الضغوط الممنهجة التي تمارس ضد الأتراك في ألمانيا لن تنال من عزيمتهم"، على حد تعبيره. ودعا جاووش أوغلو ألمانيا للابتعاد عن سياسة التعالي، قائلاً "ينبغي عليكم أن تنظروا إلينا كشركاء متساوين. تركيا دولة لست تحت إمرتكم، أنتم لستم دولة من الدرجة الأولى وتركيا ليست من الدرجة الثانية"، خاتماً حديثه بالإشارة إلى أنه "إذا كنتم ترغبون بالعمل مع تركيا، فأنتم مضطرون لتعلم كيفية التصرف معنا. بهذه الطريقة لا تسير الأمور، نحن أيضاً سنرد بالمثل من دون تردد".
وفي مقابل الردود التركية من مختلف الأطراف، بدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل محرجة، لترد بالحديث عن أن القرارات لم تتخذ بشكل مركزي بل على المستوى المحلي. يأتي ذلك بعد قيام وزارة الخارجية الألمانية باستدعاء السفير التركي في برلين، علي كمال أيدن، للاعتراض على قيام السلطات التركية باحتجاز مراسل صحيفة "دي فيلت" الألمانية، التركي ــ الألماني، دينيز يوجل، بعد قيامه بكتابة تقرير حول رسائل إلكترونية تم تسريبها من البريد الإلكتروني لوزير الطاقة التركي، صهر الرئيس التركي، براءات البيرق.
وتعاني العلاقات التركية الألمانية من توتر شديد منذ اندلاع أزمة المهجرين ــ اللاجئين، ورغم الزيارات المتعددة التي قامت بها ميركل خلال العام الماضي، في محاولة لتهدئة الأوضاع، إلا أن العلاقات سرعان ما كانت تعود إلى التوتر دورياً، حتى أنه يمكن إحصاء قيام الخارجية التركية باستدعاء السفير الألماني في تركيا مارتن إردمان لست مرات منذ مطلع مارس/ آذار 2016.
ويقود التيار المعادي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ألمانيا، الرئيس المشارك لحزب الخضر، السياسي الألماني جيم أوزديمير (جذوره تركية من مواليد ألمانيا 1965 وحاصل على الجنسية الألمانية 1983)، ذو الأصول التركية الشركسية، وعضو المجلس الاستشاري لمكتب برلين التابع للجنة اليهودية الأميركية. وقد لعب أوزديمير دوراً محورياً في إقرار البرلمان الألماني للقانون الذي اعترف بما تعرض له الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى على أنها "جرائم ومجازر تطهير عرقي"، بعد زيارته للعاصمة الأرمينية يريفان في مارس/ آذار 2015 للمشاركة في ذكرى تلك الأحداث. وتعرض أوزديمير في وقت لاحق لعدد من التهديدات بالقتل. كما قام الرئيس التركي في غير مرة باستهداف أوزديمير بشكل غير مباشر، فأطلق عليه اسم "ذلك الذي يُعتبر تركياً"، ليرد الأخير بتصريحات في مجلة "ديرشبيغل" الألمانية بالقول إنه "سيكون انعدام للمسؤولية من قبل المخابرات الألمانية إن لم تستهدف تركيا التي تعتبر ممراً لعبور الراغبين من الأوروبيين بالانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)".
وشهدت العلاقات التركية ــ الألمانية منذ 16 مارس 2016 عشر أزمات، بدأت مع بث أحد البرامج الساخرة الألمانية لمقطع مصور تمت خلاله السخرية من الرئيس التركي، لتقوم الرئاسة الألمانية في وقت لاحق باستضافة رئيس تحرير صحيفة "جمهورييت" السابق، جان دوندار، بعد منحه حق اللجوء إثر فراره من تركيا بسبب القضايا المرفوعة ضده بعد تسريبات اعتبرتها الحكومة التركية تهديداً للأمن القومي التركي. ثم اعترف البرلمان الاتحادي الألماني بـ"المجازر" التي تعرض لها الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، لترد السلطات التركية بمنع البرلمانيين الألمان من زيارة جنود بلدهم المتواجدين في قاعدة إنجرليك التركية في إطار التحالف الدولي ضد داعش.
كما كان الموقف الألماني فاتراً في التعامل مع المحاولة الانقلابية الفاشلة التي حصلت في تركيا في 15 يوليو/ تموز الماضي. وبدل إدانه المحاولة، فضلت بيانات الحكومة الألمانية التركيز على "تطبيق القانون في التعامل مع المشاركين في المحاولة"، بل وقامت بمنح أعضاء "حركة الخدمة" من المتهمين بالمشاركة بالمحاولة الانقلابية، من عسكريين أو مدنيين، حق اللجوء على أراضيها. تلا ذلك قيام السلطات الألمانية باحتجاز عدد من البرلمانيين الأتراك في مطار كولن لساعات، وصولاً إلى اتهام أئمة المساجد التابعين لإدارة الشؤون الدينية التركية من العاملين في ألمانيا، بالتجسس لصالح المخابرات التركية، ضد أعضاء حركة غولن المتواجدين في ألمانيا.