"عاد الشتاء وعادت همومه وبلاويه"، هذا ما يردده في هذه الأيام فقراء في لبنان، لا ملجأ لهم ولا مأوى سوى أسقف متهالكة وزواريب الشوارع وأرصفتها.
نصف ساعة من المطر، يوم الأحد الماضي، كانت كفيلة بإغراق لبنان بالسيول والنفايات، الأمر الذي أثار مخاوف المواطن اللبناني، كأنه لا يحق له العيش بكرامة والتمتّع بحقوق أساسيّة. ولعلّ أكثر المتضررين مما قد يجلبه معه فصل الشتاء هذا العام، هم أمثال أم جابر، الذين لم يجدوا مسكناً سوى منزل صغير قابل للانهيار في أية لحظة.
تصرخ أم جابر في وجه كل من يقصدها لسؤالها عما شهدته قبل يومين عندما احتجزتها الأحوال الجوية السيئة في بيتها، واجتاحت السيول منزلها المؤلف من غرفة واحدة وقد اختلطت بمياه الصرف الصحي. هي لم تعد تكترث لأحوال وطنها، وفقدت الأمل في إعمار بلد لا يكترث لأحوال مسنّيه ولا يسنّ قانون ضمان للشيخوخة يحميهم من التشرد والعزلة. تقول لـ"العربي الجديد" إن "الروائح النتنة التي نشتمها يومياً ونعاني من الأمراض التي تخلّفها، ليست بجديدة. نحن اعتدنا على قلة النظافة في شوارعنا وعلى أسلاك الموت (الكهرباء) الممدودة بشكل عشوائي. وخبر الموت بصعق كهربائي بات أمراً طبيعياً لا يفاجئنا". تضيف: "قتل شاب بعمر الورد قبل أيام. من منكم سمع به؟ هل تحرّك المعنيون لنجدته؟ إن لم يقتل صعقاً كان ليموت لاحقاً على أبواب المستشفيات أو بسبب دواء فاسد أو حتى بتسمم بالغذاء". وبسخرية تتابع: "كلّ من يريد أن يعرف معنى الفقر في كل الفصول، عليه أن يأتي ليعيش في منطقة المنكوبين حيث أعيش".
أحمد، صاحب محل إكسسوارات نسائية ورجالية، يقطن في الحيّ نفسه، يقول لـ "العربي الجديد": "يعاني أطفالنا من أمراض عديدة منها الإسهال والتيفوئيد والجرب. نقصد المستوصفات لعلاجهم وتأمين الأدوية لهم مجاناً". ويسأل: "كيف يمكننا تجنيبهم الأمراض الناتجة عن تلوث المياه بسبب سوء البنى التحتية في المنطقة، وإهمال تنميتها وحرمانها من المشاريع الإنمائية؟ هذا عدا عن المشاكل المتفاقمة بسبب أعداد السكان المتزايدة منذ اندلاع الحرب السورية". يتابع: "القمامة تكدست بشكل هستيري ولا مكان لنقلها. والمسؤولون لا يعرفون إلا تحذيرنا من أمراض قد تطاولنا، في حين يروّجون لمشاريع نسمع بها منذ سنين ولم تبصر النور إلى حد يومنا هذا".
أم جابر وأحمد ليسا إلا مواطنين من بين آلاف، لا بل مئات الآلاف، تتكرّر مأساتهم في كلّ فصل شتاء. فكيف الأمر اليوم مع أزمة النفايات التي تهدّد البلاد.
اقرأ أيضاً: يوغا الضحك تصل إلى لبنان