عادل السيوي.. مؤلِّف الوجوه

17 يونيو 2014
أم كلثوم - تحية كريوكا
+ الخط -
 
خلافاً للفنانين الذين اشتغلوا على البورتريه مظهرين براعتهم في نقل الواقع، يستخدم التشكيلي المصري عادل السيوي (1952) الوجوه بوصفها حقلاً استكشافياً. وإذا أضفنا إلى ذلك انتماء ريشة السيوي إلى النزعة "الانتقائية"، نكون اقتربنا أكثر مما وراء اللوحة. ألم يستعر آباء الفن الحديث الوجوه الإفريقية لاستخدامها وجوهاً للاوعي؟

وسواء أكانت بيضاوية، بشيء من المبالغة، وتبتسم بمكر، أو كانت عيونها تحدق في مشاهدها بثبات، فإن وجوه السيوي، التي عُرضت حديثاً في غاليري "آرت سبيس" (Art Space) بدبي، تبتعد عن الواقع، بل إنها في معظم الأحيان تتعدد، لتبدو كأنها من كوكب آخر.

يمكننا أن نرى الوجه الواحد ثلاثةً. لا بأس، إننا لا نعاني من دوار أو زغللة في العينين، إنها طريقة السيوي في الإيهام البصري. في لوحة "قارئة الطالع"، تظهر امرأة غريبة الشكل بملامح إفريقية، تقرأ أوراق اللعب لأخرى. تزيد غموض العمل تلك الخلفية ذات اللون الأحمر القاني والمنقوشة ببعض الوحدات الزخرفية، لتعلن انتماءها إلى عالم مؤنث من السحر والخرافة، وتهامُس امرأتين.

في المعرض أيضاً لوحات تدل عليها تسمياتها: "قابيل"، "هابيل"، "الأميرة نفرتيتي"، بالإضافة إلى الحضور اللافت لعنصر الحيوان، كما في لوحات "صداقة 1" و"صداقة 2" و"الكلب الدلماسي". أما لوحة "القرط الأخضر" فكأنها "نيغاتيف" غير مطابق لعمل "الفتاة بقرط اللؤلؤ" للرسام فيرمير.

لا تبدو تجربة السيوي في معرضه الأخير منقطعة عن سياق أعماله السابقة. فموضوعة الوجه بالنسبة له أقرب ما تكون إلى بحث طويل الأمد. سنوات عديدة قضاها في رسم الوجوه يفتّش عن ألف احتمال واحتمال.

وإن كان السيوي قد قدّم الوجوه قبلاً في أعمال أقرب إلى الواقعية، كما هو الحال في "نجوم عمري"؛ فإن هذه المجموعة ضمّت بورتريهات لأيقونات الفن في الذاكرة المصرية. وفي هذا السياق، رسم أم كلثوم بشعر وردي اللون، وماري منيب تحتضن الدواجن، وإسماعيل ياسين يحلل اللوغاريتمات، وشادية تشبه الفاكهة. وقد أصبحت
"الست"، وهي إحدى أشهر لوحات هذه المجموعة، من مقتنيات "غوغنهايم أبو ظبي" منذ العام 2008.

قد تتقاطع لوحة "نجوم عمري" للسيوي مع تجربة معاصره الفنان المصري الأرمني شانت أفاديسيان الذي اشتغل على بورتريه الشخصيات السينمائية والسياسية المصرية في الفترة ذاتها، في مجموعة "علاقات غرامية" (2004). غير أن الأخيرة تعطي بعداً سياسياً واجتماعياً وربما تاريخياً عبر استخدام الرموز الفرعونية والنماذج الإسلامية؛ فيما ينحو السيوي إلى تقديم نجوم عمره كما يراها بشكل ذاتي وشخصي وكما تخيّلها على نحو طفولي، علماً أن بعض النقاد، رغم احتجاج الفنان على ذلك، رآه في هذه المجموعة أقرب إلى الـ"بوب آرت" من أي مدرسة فنية أخرى.

شغف السيوي بتجسيد الوجوه لا يعني أن تجربته اقتصرت عليها. فقد بحث الفنان في تأثير الفوضى على العناصر وقدرتها على تحريك الأشياء كما لو أنها ريحٌ. ونتعرّف إلى هذه الثيمة في مجموعتيه "المراجيح" و"وسط البلد".

أسمهان، موادة مختلفة (506 × 400 سم)


وكذلك فعلت ريح الفن بالسيوي، إذ قلبت حياته رأساً على عقب، فهجر الطبيب عمله ليسافر إلى ميلانو، حيث تعمّق في دراسة الفن. وبالطبع لم يكن قراره منطقياً بالنسبة للمحيط التقليدي. إذ لا نترك مهنة الطبيب "المستقرة" من أجل ممارسة الفن.

على أي حال، سافر السيوي وعاد إلى مصر بعد عشرة أعوام ليبدأ مشاركته الثرية في الحياة الثقافية. فبالإضافة إلى الرسم، ترجم السيوي بعض الإصدارات من الايطالية إلى العربية، لعل أهمها "نظرية التشكيل، بول كلي" و" نظرية التصوير، ليوناردو دافنشي" والأعمال الشعرية لـ"أونجاريتي"؛ كما عمل منسقاً بصرياً للمشاهد في فيلم "يا دنيا يا غرامي" وأصدر عدداً وحيداً من مجلة "عين" المختصة بالفنون التشكيلية.