بعد أربعة وستين عاما أمضاها في منزله المستأجر من حارس الأملاك الأردني، قبل أن ينتقل الإشراف على المنزل إلى ما يسمّى بـ"حارس أملاك الغائبين" الإسرائيلي، وجد المواطن المقدسي المسن أيوب شماسنة "أبو محمد" (في العقد الثامن) نفسه في العراء إلى جوار منزله على عربة تحوّلت إلى مقعده الدائم.
في ساعة مبكرة من صباح أمس الثلاثاء، وبينما كان شماسنة لا يزال في فراشه، اقتحم عشرات من الجنود من الوحدة الخاصة في قوات الاحتلال منزله، ترافقهم طواقم من دائرة الإجراء الإسرائيلية المكلفة بالحجز على ممتلكات المقدسيين، وقاموا بحمله وهو لا يزال على عربته وألقوا به خارج المنزل، في حين كانت زوجته المسنة "أم محمد" تعدّ أكواب الحليب لأفراد العائلة، ومن بينهم أحفادها من نجلها محمد.
لم يمنح شماسنة فرصة الحديث أو الاعتراض بينما كان الجنود يدفعون به إلى الخارج وبسرعة، كما تقول زوجته لـ"العربي الجديد"، والتي تركت وعاء الحليب على فرن الغاز وهرولت خلف زوجها حتى لا يؤذوه، فهو مريض ويتنقل على كرسيه المتحرك، بينما اندفعت طواقم الإخلاء الاحتلالية لتخرج ما في البيت من أثاث، حتى إنه لم يسمح للعائلة بنقل مستنداتها الشخصية وممتلكات تخصها من داخل المنزل، طويت جميعها ووضعت في صندوق كرتوني خاص وألقي بالصناديق وما احتوته داخل شاحنة ضخمة جلبها المقتحمون معهم.
بينما دلف مستوطنون إلى داخل المنزل وسارعوا فوراً إلى رفع علم دولة الاحتلال داخل الغرف، وغسلوا أيديهم بماء حنفية المطبخ وشربوا منها قبل أن يطلق أحدهم ضحكة عالية في المكان، كما أكد شهود من بعض الصحافيين الذين تمكنوا من الدخول إلى المنزل وتصوير ما يجري، فيما يبدو أن المقتحمين حرصوا على وجود وسائل الإعلام وتصوير سيطرتهم على المنزل وتوثيقها كانتصار لهم.
خارج المنزل وفي محيطه، جلس المسن شماسنة صامتاً مصدوماً على كرسيّه المتحرك، واصفاً ما جرى بعبارة واحدة "عمل جبان". ثم راح يتفحص في وجوه الجنود والمتضامنين والصحافيين المحليين الذين اندفعوا إلى المكان بعد انتظار طويل بسبب إغلاق قوات الاحتلال المنطقة ومنع الدخول إليها.
في حين، تحوّلت "أم محمد" زوجة شماسنة، ونجله محمد، إلى ناطقين باسم العائلة، يرويان ما جرى، ويصفان اللحظات الصعبة والمعاناة الكبيرة التي تسببت لهما بها عملية الإخلاء ورفع العلم الإسرائيلي داخل إحدى غرفه.
تقول "أم محمد": "أحسست أن قلبي انخلع من مكانه". أما نجلها محمد، فكان إحساسه بالظلم كبيراً، أولاً لفقدان المنزل الذي نشأ وتربّى فيه منذ عام 1964، ولرؤية علم دولة الاحتلال ومستوطنيها يرفع داخله".
وأضاف: "لم يكتف جنود الاحتلال برفع علمهم، بل أزالوا أعلاماً فلسطينية ويافطات تدعم عائلته كانت علقت في أيام خلت ومزقوها. في حين اعتلى جنود الاحتلال سطح المنزل كالجراد، وبدأوا يراقبون كل فرد منا".
الاستيلاء على منزل عائلة شماسنة، كما يقول حاتم عبد القادر القيادي في حركة فتح، لـ"العربي الجديد"، والذي تصدّر جهود إنقاذ المنزل على مدى فترة طويلة، "يغلق صراعاً قضائياً مع المستوطنين عليه استمر لسنوات طويلة. لكنه لن ينهي معركة المقدسيين في استعادة ما سلب من عقاراتهم، سواء بالتزوير والنهب المباشر، أو ادعاء الملكية القديمة لها".
وأضاف: "إذا كانوا يدّعون ملكية منزل شماسنة المبني من الطوب والصفيح والقرميد، فنحن نملك عشرات آلاف المنازل في القدس الغربية، وفي مدن فلسطين المحتلة عام 1948. نحن أولى وأحق بها، وسنستردها ولو بعد حين".
كان الشعور بالاستياء والغضب سيد الموقف في محيط منزل عائلة شماسنة، والتي لم تبرح محيط المنزل، على الرغم من تحرشات جنود الاحتلال والمستوطنين واستفزازاتهم. بينما عدد من الشبان من سكان الحي احتجزهم جنود الاحتلال وعاملوهم بعنف بينما كانوا يحاولون الاقتراب من العائلة لدعمها وإسنادها.
في حين، اعتدى جنود الاحتلال بوحشية عصر الثلاثاء، على محمد شماسنة ونجله ضرار واعتقلتهما، إضافة لاعتقال ثلاثة نشطاء آخرين كانوا في محيط منزل عائلة شماسنة، حيث حاولت قوات الاحتلال إبعادهم بالقوة من محيط المنزل في الوقت الذي يصول فيه المستوطنون في المنزل ومحيطه بحماية قوات الاحتلال، والتي منعت الاقتراب من المنزل ودفعت بجنود إضافيين للحي.
الخوف والقلق انتقلا إلى ثلاث عشرة عائلة أخرى في الحي، يتهددها خطر الإخلاء أيضاً وتشابه في وضعها القانوني عائلة شماسنة، بينما تتمسّك ست عائلات أخرى بإقامتها في منازلها كونها محمية حسب القانون من الإخلاء، علماً بأنها تلقت ثالث أيام العيد إخطارات من حارس أملاك الغائبين الإسرائيلي يطالبها بتجديد عقود إيجاراتها القديمة، وهي خطوة رفضها الأهالي كونها تحمل إشارات على التحايل عليهم، قد تفضي إلى إخلائهم لاحقاً.