عائلات مقدسية تترقب التهجير من بيوتها

16 يناير 2019
تخاف أم محمد من المستقبل الذي ينتظر أسرتها(العربي الجديد)
+ الخط -

قلق وخوف يسيطران على خمس عائلات في حي كرم الجاعوني، في القدس المحتلة، كانت تلقت إخطاراً نهائياً من "دائرة الإجراء والتنفيذ" الإسرائيلية، بإخلاء المبنى الذي تعيش فيه، بحلول الثالث والعشرين من الشهر الجاري

أم محمد الصبّاغ، أرملة ستينية لديها أسرة مكونة من خمسة أبناء. لا تعلم هي وأسرتها أين يذهبون إذا ما أجبروا على إخلاء شقتهم السكنية في حي كرم الجاعوني في القدس المحتلة، بعد تلقيها مع أربع أسر أخرى في المبنى إخطارات بالإخلاء لصالح جمعيات استيطانية.

تنتظر السيدة المريضة إجراء عدة عمليات جراحية في ساقيها، وتعاني من ضعف شديد في بصرها بسبب مرض السكري الذي استوطن جسدها منذ سنوات. تبدي في حديثها إلى "العربي الجديد" قلقها من مصير لا تعلمه، بينما تعاني أسرتها كغيرها هناك من الفقر، ما يجعلها غير قادرة على استئجار بيت آخر أو حتى غرفة واحدة تعوضها عن بيتها الحالي الذي أمضت فيه وأبناءها عقوداً طويلة، وتولت تنشئتهم حين كانت تعمل معلمة في حضانة، إلى أن تقاعدت بسبب كبر سنها ومرضها، وهي بالكاد يمكنها أن تؤمن أسباب الحياة والعيش الكريم لأفراد أسرتها. تعلق: "أين نذهب؟ لا أحد يعرف عنا. إذا خرجنا من المنزل لا نملك أجرة غيره، وإيجارات البيوت في القدس باهظة".




تتجول أم محمد في غرف منزلها الصغيرة، بينما تتساءل إن كانت هناك جهة ما يمكن أن تقدم لأسرتها مساعدة توفر لها المسكن إن طردت منه. وفي إحدى الغرف الضيقة بقيت ثلاث فرشات ومخدات وأغطية على الأرض على حالها، إذ ينام فيها بعض أفراد أسرتها، بينما تجلس على أريكة قديمة تقضي معظم وقتها عليها، وتحاول عبثاً أن تستجلب الدفء إلى قدميها الباردتين. على هذا النحو تمضي يومها، في حين تتصاعد وتيرة القلق لديها من الأيام القليلة المقبلة التي تفصلها عن مهلة الإخلاء الأخيرة.



الشعور بالقلق ينتاب أسرة مواطن آخر من عائلة الصباغ في البناية نفسها التي سيستولي عليها الاحتلال. حديث رب الأسرة هذه المرة، وهو المواطن السبعيني محمد الصباغ، هو عن طرد وترحيل وتهجير جديد لسكان البناية يعيد إلى أذهانهم هجرتهم الأولى في نكبة فلسطين عام 1948، قبل أن يستقر بهم المقام في مسكنهم الحالي في خمسينيات القرن الماضي. يقول الصباغ: "طردنا من بيتنا هنا في كرم الجاعوني، يعني لنا تهجيراً آخر ومعاناة متجددة عاشها آباؤنا أيضاً. ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه بينما نقترب من المهلة الأخيرة التي حددها لنا الأمر الذي تسلمناه من دائرة الإجراء والتنفيذ المكلفة بتنفيذ قرارات محاكم الاحتلال التي أمرت بطردنا، بالرغم من أنّ هناك طلباً مقدماً من قبلنا إلى محكمة الاحتلال العليا، لبحث ملكية الأرض، بحضور هيئة محكمة مكونة من خمسة قضاة، وليس ثلاثة كما كان قبل ذلك".




يشير الصباغ إلى أنّ المحكمة، في جلستها في الخامس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، رفضت مناقشة ملكية أرض كرم الجاعوني، بحجة أنّ حق العائلات الفلسطينية في إثبات ملكيتها للأراضي التي تقيم عليها منازلها بحي الشيخ جراح قد سقط، بالنظر إلى طول المدة الزمنية المحددة وفق إجراءات قانونية يتبعها القانون الإسرائيلي، معروفة باسم "التقادم". يلفت الصباغ إلى أنّ القرار بإخلاء البناية السكنية التي تقطنها العائلات الخمس ويقارب عدد أفرادها الخمسين، كان قد صدر قبل ثماني سنوات، وجرى تجميده في المحاكم إلى حين البت بملكية الأرض، لكنّ محكمة الاحتلال العليا قررت مؤخراً رفض مناقشة الملكية، بالرغم من الوثائق الجديدة التي حصلت عليها العائلات من الأرشيف العثماني. هجّرت عائلة الصبّاغ من أملاكها وأراضيها في مدينة يافا عام 1948، وكانت في ذلك الحين تملك مئات الدونمات من الأراضي.

محمد الصباغ (العربي الجديد) 












تعود قضية عائلات كرم الجاعوني إلى عام 1972، حين رفعت الجمعيات الاستيطانية في حينه دعاوى إخلاء واستملاك أراضٍ في الحي ضد 4 عائلات ابتداء، وتمكن المستوطنون من الاستيلاء والسيطرة على أربعة عقارات في الحي. وتزعم الجمعيات الاستيطانية أنّها تملك قطعة الأرض التي تبلغ مساحتها نحو 19 دونماً منذ عام 1885، وهو ما تنفيه لجنة الحي، متهمة جمعيات الاستيطان بأنّها ضللت المحكمة وقدمت مستندات مزورة، بعدما نجحت العائلات قبل سنوات في إحضار وثائق من الأرشيف العثماني. لكنّ المحكمة رفضت مناقشتها في حينه، كما رفضت طلب العائلات بتوسيع هيئة القضاة من ثلاثة إلى خمسة.




أما قصة المبنى الذي تقطن فيه العائلات الخمس والتي بدأت في منتصف خمسينيات القرن الماضي، فيرويها المواطن عارف حماد من لجنة محلة الشيخ جراح، لـ"العربي الجديد". يوضح أنّ العائلات تقطن في كرم الجاعوني من الشيخ جراح منذ عام 1956، بموجب اتفاقية موقعة بين وكالة الـ"أونروا" ووزارة الإنشاء والتعمير الأردنية، لبناء مساكن لعائلات فلسطينية هجّرت من منازلها وأراضيها في عام 1948. يكشف حماد عن عمليات تسجيل لوثائق ومستندات مزورة في عام 1972، ادعت فيها جمعيات الاستيطان ملكيتها الأرض التي أقيمت عليها منازل العائلات الفلسطينية، واعتبرتهم مستأجرين لديها، لتبدأ بعد ذلك مطالباتها تلك العائلات بإخلاء مساكنها وتسليمها لتلك الجمعيات الاستيطانية. وقد نجحت الجمعيات في السنوات العشر الماضية في السيطرة على عقارات مجاورة في الحيّ نفسه كان أبرزها عقار أم كامل الكرد، والغاوي، وحنون.