وصلت إلى ساحة الجمهورية في العاصمة الفرنسية، ظهر السبت، حافلة "عائلات من أجل الحرية في سورية"، لعرض معاناة عائلات المعتقلين والمختطفين والمغيبين في سجون النظام السوري وسجون المعارضة المسلحة.
وحضرت إلى الساحة عائلات سورية مقيمة في فرنسا والعديد من المتعاطفين الفرنسيين والعرب مع الثورة السورية. وكان اللقاء الذي دام ثلاث ساعات فرصة للتعريف بنشاط جمعية "عائلات من أجل الحرية"، ومن أجل طلب الدعم لتلك القضية المشروعة والنبيلة.
وتحدثت أولاً المديرة التنفيذية للمنظمة النسائية من أجل التنمية، ماريا حلبي، وقالت: "نحن نناضل، منذ خمس سنوات، لدعم وحماية النساء السوريات ومساعدتهن على رفع أصواتهنّ، وهي أصوات مُهمَلة في العالم"، مضيفة "نحن اليومَ تحت سماء باريس، ونساء في سورية وفي أماكن عدة من العالم يحملن صُوَر أبنائهنّ وأزواجهن وإخوانهنّ وأخواتهنّ المعتقلين، والتوصيف الحقيقي لهم هو "المختفين". وهذه العائلات لا تعرف أين يتواجدون، خطفوا ولم تتلق العائلات أي إخبار عنهم".
وكشفت أن "عائلات تعيش أسوأ الحالات الإنسانية، تحمل هذه الصُوَر وتتوجه إليكم". وقالت "تلك النسوة يمثّلن سورية التي نتخيلها ونحلم بها، سورية حقوقُ الإنسان، لأن هذه العائلات تناضل من أجل إطلاق سراح كل المعتقلين والمختفين، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية والدينية".
ثم تحدت فريزة جهجاه، التي قدمت نفسها، أنها ناشطة من أجل الحرية والديمقراطية في سورية من أيام الأسد الأب إلى الأسد الابن، داعية الحضور لمؤازرة النساء السوريات وحمل أصواتهن في كل مكان، حتى استعادة أبنائهنّ لحريتهم، "لأن قضيتنا قضية عدالة وإنسانية. قضيتنا هي قضية أحبتنا المعتقلين والمغيبين في سجون بشار الأسد وعند الأطراف الأخرى".
وعن تجربتها الشخصية، أوضحت جهجاه أن لجوءها الثالث إلى فرنسا يعود إلى عام 2013، هرباً من خطر الاعتقال. وإن زوجها ناصر بندق، الذي وصفته بأنه "الشاعر والمناضل من أجل الحرية والديمقراطية في سورية منذ عقود طويلة" اعتقل بعد أربعة أشهر على وصولها إلى فرنسا. وأضافت "في 17 فبراير/شباط 2014 هاجمت قوات الأمن بيتنا في صحنايا، فأخذت زوجي ناصر بندق ومعه مروان الحاصباني ورنيم معتوق وجيهان أمين، محامية حقوق الإنسان. وحتى الآن، مرت أربع سنوات، وليس لدي علمٌ بأحوال زوجي وهل لا يزال على قيد الحياة".
وتابعت "أحياناً تأتينا أخبار غير رسمية ومتضاربة عنهم. وحالتي تلخّص أحوال مئات الآلاف من النساء والعائلات السورية التي فقدت أحد أفرادها سواء عند النظام أو لدى الأطراف الأخرى، ولا نعرف مصيرهم. وإذا رأيتم الصُوَر الملصقة على الباص فبحوزتنا صُوَرٌ أخرى كثيرة جداً عن هؤلاء المغيَّبين، قد تغطي كل ردهات الميترو الباريسي. صور تعبر عن القلق والخوف والحزن في قلوبنا، لكننا نتقدم بإصرار وشجاعة إلى الأمام".
ثم تحدثت فدوى محمود، قائلة "نحن حركة عائلات من أجل الحرية في سورية"، صوتُ الشباب الموجود في المعتقلات، سنظل نطالب بحريتهم في أنحاء العالَم، لأنه لا ذنب لهم سوى أنهم طالبوا بالحرية".
وأضافت: "أنا أمٌّ وزوجة، ولا أعرف شيئاً عن ابني وزوجي منذ خمس سنوات. كنت أنتظرهما على مائدة الغذاء وكانا راجعيْن إلى مطار دمشق الدولي قادمَيْن من الصين. كانا يعملان من أجل حل سلمي في سورية. لم يحملا سلاحاً ولم يكونا إرهابيين. وابني اعتقل بعد مرور 4 أشهر على زواجه. ولا أزال أنتظرهما".
ولفتت إلى أنها جرّبت الاعتقال أيام الأسد الأب. وقالت: "أنا أعرف معنى الاعتقال". وتكشف أنها تعيش اليوم أسوأ حالاتها، قياساً بالفترة التي كانت فيها معتقلة بعيداً عن عائلتها.
ثم طالبت بالحق في معرفة العائلات لأماكن تواجد المعتقلين والمختطفين جميعهم، وظروف اعتقالهم، ومحاكمة المجرمين منهم إذا ثبت ذلك، محاكمات عادلة أمام مَحاكم مدنية، وليس مَحاكم أمن الدولة ولا المَحاكم الميدانية، التي يجب إلغاؤُها. وطالبت بتحرك عالمي لمساندة العائلات.
ثم تحدثت نورا غازي صفدي، قائلة: "غادرتُ سورية قبل عشرين يوماً، وأنا إحدى مُؤسِّسات حركة "عائلات من أجل الحرية". زوجي باسم خرطبيل، سوري- فلسطيني، اعتقل في مارس/آذار 2012 قبل حفل زواجنا بـ15 يوماً. وبعد سنة من اختفائه استطعتُ زيارته في سجن عدرا، وتزوجنا في السجن. ظللتُ أزورهُ 3 سنوات في السجن، لكنه اختفى بعد ذلك. وصلتني شائعات وأخبار بأن باسم أحيل إلى المحكمة العسكرية، ومنذ 6 أشهر تأكّد لي نبأ إعدامه، فأعلنت عنه".
وأكدت نورا غازي، أن زوجها كان ناشطاً سلميّاً، منذ أول أيام الثورة، كان يرفض الطائفية والانجرار نحو العسكرة. وكان واحداً من أهم المتخصصين بالكومبيوتر في العالَم.
وأضافت: "أسرد قصتي لأقول أن هناك عشرات الآلاف من المعتقلين والمختفين في سورية، وكنتُ محظوظة كثيراً لأن قصتي اشتهرت، وحصلت على اهتمام كبير في العالم"، معربة عن أسفها لأن عائلات سورية كثيرة لا تجد من يتحدث عنها ويشهد على معاناتها.
وكشفت، عن أن والدها اعتقل تسع مرات في ظل حكم حافظ الأسد، ما حفّزها لتصير محامية في الدفاع عن حقوق الإنسان. وإن اعتقال زوجها وإخفاءه ثم إعدامه تركها تحسّ بالمسؤولية تجاه من يعيش معاناتها.
وأكدت أن المحاكمات الاستثنائية وأحكام الإعدام التي تصدر خارج نطاق القضاء في سورية، هي قضايا طارئة وعاجلة، ويجب أن تحظى بالأولوية قبل أي تفاوض يتعلق بالانتقال السياسي في البلد. وقالت إن أقصى أحلامها الآن، معرفة مكان قبر زوجها، حتى تتحدث إليه وتضع عليه وردة كل يوم.
ثم تحدثت هالة، وهي طبيبة، وقالت: "بما أنني طبيبة أعرف معنى أن يموت الإنسان تحت التعذيب. وبما أنني أشعر بالبرد في هذه اللحظة أعرف معاناة آلاف المعتقلين في السجون، ويحسون بالبرد الشديد مثلي". وتابعت "بين المعتقلين المعارضين لنظام الأسد الكثير من الأبرياء. وأنا هنا كي أنقل وَجَع عائلات المعتقلين والمفقودين في سورية. أنا أمّ وأخت وزوجة، أعرف معنى فَقْد وغياب المعتقلين. أنا لا أتحدث في السياسة، أبداً، بل أتحدث باسم الإنسانية، فمئات الآلاف من الشباب والأطفال في سورية معتقلون".
ووزعت على الجمهور الحاضر في ساحة الجمهورية بورتريهات لمعتقلين ومغيَّبين في سورية، حتى يحسّ هؤلاء، ولو لبعض الوقت، أنهم في تماهٍ مع العائلات السورية، التي تعيش هذه الظاهرة الصعبة والمؤلمة، منذ اندلاع الثورة السورية، قبل سبع سنوات، ولا أحد يعرف متى ستنتهي هذه المآسي والمحن. وإن كان الأمل يراود هذه النساء، في أن تصل بهنّ هذه الحافلة إلى دمشق، وتكون جاهزة "لإعادة كل المعتقلين والمختفين إلى بيوتهم وأحبابهم".
وتضمن اللقاء عرضاً موسيقياً أدّاه محمد العرشي، وكاترين فانسان، بعنوان: "الحرية، السلام، الثورة".