11 نوفمبر 2024
ظهور غزلان وتحولات "الإخوان"
جاءت دعوة القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، محمود غزلان، للتمسك بالسلمية، لتؤكد مجدداً أن ثمة تبايناً، إن لم يكن انقساماً، واضحاً داخل صفوف الجماعة، فقد سبق الدعوة بأيام بيان أصدره المتحدث باسم "الإخوان"، محمد منتصر، يتبنى لهجة تصعيدية. الانقسام بين "الإخوان" ليس جديداً وليس سراً، إلا أن خروجه إلى العلن مؤشر إلى دخول مرحلة جديدة على مستويي العلاقات داخل الجماعة، والعلاقة مع السلطة في مصر.
ركزت دعوة غزلان في مقاله في موقع "نافذة مصر"، في أول ظهور علني له منذ فض اعتصام ميدان رابعة قبل 22 شهراً، على الثوابت "السلمية" في فكر جماعة الإخوان ومنهجها. واعتبرت أن دعاة العنف أو من يؤيدونه ليسوا سوى "منفلتين" يجب عدم الانسياق وراءهم. بشكل عام، بدا خطاب غزلان تقليدياً ماضوياً غير متسق ليس فقط مع مستجدات الواقع المصري الراهن، بل ولا مع واقع الجماعة التي تغيرت تركيبتها كماً، من حيث الشرائح العمرية والحراك الجيلي داخلها، ونوعاً من زاوية التوجهات وطريقة إدراك أعضائها المشهد وكيفية التعامل معه، ما يتجلى في بيان منتصر الذي بدا تثويرياً، ومنفتحاً على الجميع، متوجها نحو هدف لا حياد عنه، هو استكمال الفعل الثوري والقصاص لضحاياها.
غزلان هو المتحدث الرسمي السابق باسم "الإخوان" ومنتصر هو المتحدث الحالي منذ 24 يناير/كانون الثاني 2015. ويجسد التناقض بين خطابي الرجلين الفجوة بين القيادات القديمة التي انهزم منطقها، وفشل منهجها في 3 يوليو/تموز 2013، وجيل الشباب الذي بدأ يتقدم وينتزع القيادة، خصوصاً في المستويات القاعدية، حيث الشعب واللجان النوعية التي تتولى تسيير الأمور على الأرض.
واجه هذا التحول الإخواني الداخلي عقبات كأداء، من أبرزها الانضباط الشديد والتراتبية العتيدة في آلية اتخاذ القرار داخل الجماعة. وبعد هذا المخاض العسير، ومع تبلور ذلك التحول الداخلي وانعكاسه على أداء الجماعة العلني وخطابها، يبدو ظهور غزلان، وتبنيه ذلك المنطق القديم، أمراً شاذاً وسيراً عكس اتجاه الريح. ولا يقلل من غرابته أنه لو صح اتجاه الإخوان إلى العنف، فذلك غاية ما يتمناه النظام الحالي في مصر. حيث يمثل دفع الإخوان إلى العنف أحد أبرز أهداف القمع الأمني والملاحقات القضائية التي يتعرض لها أفراد الجماعة خصوصاً، والمعارضون عموماً، حتى يصبح عنف السلطة مبرراً، ويكتسي بشرعية أخلاقية لا تزال مفقودة.
هل يعني ذلك أن مبادرة غزلان تعكس محاولة أخيرة من القيادات التقليدية للجماعة لوقف الانزلاق المتوقع إلى دائرة العنف والعنف المضاد مع السلطة؟ أم هي فقط إبراء للذمة، وتنصل من أي مسؤولية عن العنف المتوقع، خصوصاً أمام الخارج الذي لا يزال ينطلق في تقييمه للجماعة من فرضية الاعتدال في الفكر والسلمية في الحركة؟
يمكن تلمس الأجوبة المحتملة عن السؤالين في أمرين: أولهما التوقيت، حيث جاء نداء منتصر بالثورة والجهاد، وكذا دعوة غزلان إلى التحلي بالحكمة، بعد أيام من إحالة أوراق محمد مرسي إلى المفتي، تمهيداً لحكم بإعدامه. ومن ثم لم يعد الرد على تصعيد السلطة محل نقاش، وإنما المسألة في أسلوب الرد وطبيعته، وأصبحت المفاضلة فقط بين تبنيه رسمياً أو التبرؤ منه.
الأمر الثاني غموض وضعية محمود غزلان وثقله بين قيادات الجماعة، المسجونين ومن في الخارج، ما يستتبع احتمال أن تكون دعوته عربون إنقاذ بعض القيادات وإخراجهم من معادلة العنف المتبادل التي تتجه إليها حثيثاً السلطة وشباب "الإخوان" في مصر. وفي كل الأحوال، لم يعد الرجل يمثل سوى بعض قليل من قيادات فقدت سيطرتها على الجماعة. وبالتالي، على الأرجح، لن يؤثر ظهوره الغريب، ولا أقول المريب، في موقف الشباب المتذمر، وهو ليس قليلاً داخل الجماعة. بل ربما يكون مدعاة للمضي في تجديد الإخوان بتغيير الصفوف وتثوير الأداء.