في الوقت الذي تتقدم فيه الأحزاب الخضراء في البرلمانات والحكومات الأوروبية، لم تسفر الانتخابات البرلمانيّة التي جرت في الجزائر في 4 مايو/ أيّار الماضي، عن فوز حزب واحد يجعل من الدفاع عن البيئة محور برنامجه. غياب الثقافة البيئيّة في الفضاء الجزائري، جعل إدراج وزارة للبيئة في الحكومات المتعاقبة خاضعاً للمزاج لا للوعي بأهمّيتها، فهي مرة وزارة قائمة ومرة كتابة دولة ملحقة بوزارة ما، ومرة غير موجودة أصلاً، ما جعل جهود بعض النوادي والأفراد في الدفاع عن البيئة والتنبيه إلى جماليات الطبيعة في الجزائر، في حكم الصيحة التي تطلق في الوادي.
يعدّ المربّي والرحالة طيّوش لحيلح، المولود في عام 1964، أحد أبرز الوجوه المعنيّة بالهواجس البيئية، والترويج لجماليات الفصول الأربعة في الجزائر. "ولو أتيح لي جعل الطبيعة ضمن سجل الحالة المدنية الخاص بي، بوصفها إحدى بناتي، لفعلت. أقضي معها وقتاً أكثر من أسرتي، وأصرف من جيبي على خدمتها، كما أصرف على من أعيل".
يعزو "الطائر البشري"، كما يلقّب، سبب كثرة مكوثه في الغابات والمساحات المفتوحة، أو الشغف بالطبيعة وعناصرها، في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى ولادته في ريف جميلة في محافظة جيجل. "أنساني جمال الطبيعة الصارخ شظف العيش خلال السنوات التي تلت الاستقلال الوطني في عام 1962. كان كلّ شيء بدائياً، وكان الطفل يكبر صديقاً للعصفور والجدي والخروف والزهرة والنهر والسنبلة والينبوع والشجرة". يضيف: "إنني في الحقيقة، إذ أدافع عن هذه العناصر اليوم، فأنا أردّ لها جميلها علي في تشكيل وعيي الجمالي والفنّي".
اقــرأ أيضاً
يتحدّث طيّوش عن آلة التصوير التي أضافها إلى حواسه الخمس، كما يتحدّث عاشق عن معشوقته، ويصبغ عليها من الأوصاف والمزايا ما يمنحك الرغبة في أن تلمسها. "هي رفيقتي في رحلاتي لالتقاط ملامح الطبيعة. هناك، سلطة الصورة أقوى من سلطة العبارة". ومن دلائل هذا العشق، أنه لا يحتفظ بصيده من الصور لنفسه، بل يعرضها، بعدما يصرف على تحميضها، في الأسواق والقاعات والشوارع والشواطئ، إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي. يشرح: "للوهلة الأولى، يظنّ الناس أنّني تاجر صور، ثمّ سرعان ما يدركون أنّني مناضل من أجل الطبيعة، ويخرجون من حضرة الصورة برسالتين: الأولى أنّ لديهم وطناً جميلاً، والثانية أنّهم مطالبون بالانخراط في مسعى الحفاظ على هذا الجمال".
هنا، يتحدّث طيّوش بحسرة عن تراجع الوعي البيئي في الجزائر، قائلاً: "بتنا نشاهد جزائريّين يستعرضون صور الصيد غير القانوني على مواقع التواصل الاجتماعي، ويظهرون إلى جانب أرانب وطيور وضباع وثعالب وذئاب مصنّفة ضمن الكائنات المهدّدة بالانقراض، وكأنهم حقّقوا إنجازاً عظيماً". يستحضر خبراً يؤشّر برأيه على خراب الحسّ البيئي العام: "ما معنى أن يكون أكثر الفيديوهات مشاهدة خلال العالم الماضي، هو ذاك الذي يظهر فيه شيخ يضرب ثعلباً حدّ الموت"؟
يقول إنّ نضاله بدأ فردياً، "ثمّ أسّست جمعية مدنية، إلى جانب كوني مكلّفاً بالإعلام على مستوى الكشّافة الإسلامية في المنطقة، وهي خطوة فرضتها رغبتي في أن يصبح الدفاع عن البيئة خطاباً عاماً، من خلال التنسيق مع مصالح الغابات والحظائر الطبيعية والبلديات ومصالح الأمن". يضيف أنّ "تخريب الطبيعة هو إمّا بسبب الجشع والأخذ من خيراتها أكثر مما يسمح به القانون، وإمّا الجهل بنتائج ذلك على المكان والإنسان".
قرّر طيّوش الاستعانة بالإذاعة، لوضع حدّ لهذا الجشع والجهل، من خلال برامج وحملات توعوية، ويبدو صوته مفعماً بحبّ الأرض والخوف عليها. يقول: "كلّما تحدّثت عن المخاطر التي تهدّد الأرض، تخيّلت أن الأمر يتعلّق بأمّي. هل يتحدّث أحدنا برتابة في الإذاعة إذا كان يرسل نداء لإنقاذ أمّه من الموت"؟
يؤكد طيوش، خلال الرحلات التي ينظّمها لصالح الأطفال والشباب، على نبذ "الأنانية الإيكولوجية"، كأن يفكّر كلّ شعب في البقعة التي يتواجد فوقها. "كلّ الأماكن في المعمورة يجب أن تعني الإنسان، فما يحدث في القطب الشمالي من ذوبان الجليد بسبب الاحتباس الحراري أثّر سلباً على المنظومة الإيكولوجية كلّها. يجب أن يكون نضالنا الأخضر جزءاً من النضال العالمي للشعوب الأخرى، ولو في أدغال الأمازون".
انطلاقاً من هذه النظرة المتفتّحة، بات لطيّوش لحيلح علاقات صداقة وتعاون مع باحثين ومناضلين إيكولوجيّين من أستراليا وأوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. "استقدمت باحثين في عالم الطيور إلى الجزائر، وساهمت في إنجاز شريط وثائقي عن طائر نادر ومحمي وطنياً وعالمياً، من خلال المنظمة العالمية للطيور، إذ زادت احتمالات انقراضه بسبب القطع العشوائي للأشجار".
اقــرأ أيضاً
يعدّ المربّي والرحالة طيّوش لحيلح، المولود في عام 1964، أحد أبرز الوجوه المعنيّة بالهواجس البيئية، والترويج لجماليات الفصول الأربعة في الجزائر. "ولو أتيح لي جعل الطبيعة ضمن سجل الحالة المدنية الخاص بي، بوصفها إحدى بناتي، لفعلت. أقضي معها وقتاً أكثر من أسرتي، وأصرف من جيبي على خدمتها، كما أصرف على من أعيل".
يعزو "الطائر البشري"، كما يلقّب، سبب كثرة مكوثه في الغابات والمساحات المفتوحة، أو الشغف بالطبيعة وعناصرها، في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى ولادته في ريف جميلة في محافظة جيجل. "أنساني جمال الطبيعة الصارخ شظف العيش خلال السنوات التي تلت الاستقلال الوطني في عام 1962. كان كلّ شيء بدائياً، وكان الطفل يكبر صديقاً للعصفور والجدي والخروف والزهرة والنهر والسنبلة والينبوع والشجرة". يضيف: "إنني في الحقيقة، إذ أدافع عن هذه العناصر اليوم، فأنا أردّ لها جميلها علي في تشكيل وعيي الجمالي والفنّي".
يتحدّث طيّوش عن آلة التصوير التي أضافها إلى حواسه الخمس، كما يتحدّث عاشق عن معشوقته، ويصبغ عليها من الأوصاف والمزايا ما يمنحك الرغبة في أن تلمسها. "هي رفيقتي في رحلاتي لالتقاط ملامح الطبيعة. هناك، سلطة الصورة أقوى من سلطة العبارة". ومن دلائل هذا العشق، أنه لا يحتفظ بصيده من الصور لنفسه، بل يعرضها، بعدما يصرف على تحميضها، في الأسواق والقاعات والشوارع والشواطئ، إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي. يشرح: "للوهلة الأولى، يظنّ الناس أنّني تاجر صور، ثمّ سرعان ما يدركون أنّني مناضل من أجل الطبيعة، ويخرجون من حضرة الصورة برسالتين: الأولى أنّ لديهم وطناً جميلاً، والثانية أنّهم مطالبون بالانخراط في مسعى الحفاظ على هذا الجمال".
هنا، يتحدّث طيّوش بحسرة عن تراجع الوعي البيئي في الجزائر، قائلاً: "بتنا نشاهد جزائريّين يستعرضون صور الصيد غير القانوني على مواقع التواصل الاجتماعي، ويظهرون إلى جانب أرانب وطيور وضباع وثعالب وذئاب مصنّفة ضمن الكائنات المهدّدة بالانقراض، وكأنهم حقّقوا إنجازاً عظيماً". يستحضر خبراً يؤشّر برأيه على خراب الحسّ البيئي العام: "ما معنى أن يكون أكثر الفيديوهات مشاهدة خلال العالم الماضي، هو ذاك الذي يظهر فيه شيخ يضرب ثعلباً حدّ الموت"؟
يقول إنّ نضاله بدأ فردياً، "ثمّ أسّست جمعية مدنية، إلى جانب كوني مكلّفاً بالإعلام على مستوى الكشّافة الإسلامية في المنطقة، وهي خطوة فرضتها رغبتي في أن يصبح الدفاع عن البيئة خطاباً عاماً، من خلال التنسيق مع مصالح الغابات والحظائر الطبيعية والبلديات ومصالح الأمن". يضيف أنّ "تخريب الطبيعة هو إمّا بسبب الجشع والأخذ من خيراتها أكثر مما يسمح به القانون، وإمّا الجهل بنتائج ذلك على المكان والإنسان".
قرّر طيّوش الاستعانة بالإذاعة، لوضع حدّ لهذا الجشع والجهل، من خلال برامج وحملات توعوية، ويبدو صوته مفعماً بحبّ الأرض والخوف عليها. يقول: "كلّما تحدّثت عن المخاطر التي تهدّد الأرض، تخيّلت أن الأمر يتعلّق بأمّي. هل يتحدّث أحدنا برتابة في الإذاعة إذا كان يرسل نداء لإنقاذ أمّه من الموت"؟
يؤكد طيوش، خلال الرحلات التي ينظّمها لصالح الأطفال والشباب، على نبذ "الأنانية الإيكولوجية"، كأن يفكّر كلّ شعب في البقعة التي يتواجد فوقها. "كلّ الأماكن في المعمورة يجب أن تعني الإنسان، فما يحدث في القطب الشمالي من ذوبان الجليد بسبب الاحتباس الحراري أثّر سلباً على المنظومة الإيكولوجية كلّها. يجب أن يكون نضالنا الأخضر جزءاً من النضال العالمي للشعوب الأخرى، ولو في أدغال الأمازون".
انطلاقاً من هذه النظرة المتفتّحة، بات لطيّوش لحيلح علاقات صداقة وتعاون مع باحثين ومناضلين إيكولوجيّين من أستراليا وأوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. "استقدمت باحثين في عالم الطيور إلى الجزائر، وساهمت في إنجاز شريط وثائقي عن طائر نادر ومحمي وطنياً وعالمياً، من خلال المنظمة العالمية للطيور، إذ زادت احتمالات انقراضه بسبب القطع العشوائي للأشجار".