كثير من الناس شاهدوا عصفوراً صغيراً يلاحق آخر أكبر منه حجماً، أو دهشوا لرؤية غراب يهاجم عقاباً أو باشقاً، فهل هذه التصرفات التي تدعى بالإنكليزية "موبينغ" تعتبر شجاعة يتميز بها المهاجم أم ماذا؟
إنّها بالطبع شجاعة، لكنّها غالباً ما تكون مدفوعة بالحرص على حماية الصغار وإبعاد الخطر عنها أو في أحيان قليلة لإظهار القوة عند الذكر من أجل جلب انتباه الإناث إليه. وقد تكون هذه التصرفات جامعة لحماية الصغار وفرصة إظهار القوة معاً.
صدّ الطيور المفترسة من جوارح نهارية (عقاب، باز، صقر...) وليلية كالبوم، يحصل عادة بإطلاق صرخة أو نداء تتبعه ملاحقة فانقضاض وقد يصل إلى الصدام مع المفترس. والمدهش أنّ الطيور المدافعة عن صغارها تعلم ما هي قدرة وخطورة الطائر المفترس. فلقد وضع باحثون في البرازيل نموذجاً لبومة الوكور التي قلما تأكل العصافير، في مكان قريب من بعض مجموعات الطيور، فهوجم النموذج بشراسة. ثم استبدل النموذج بآخر يمثل البومة القزمية والمعروف عنها نهمها لتناول العصافير، فكان الهجوم عليها أقل حدة إذ يعود ذلك إلى كون المجموعات تمتلك القدرة على تقدير أذى الطائر المفترس وبالتالي الحذر منه.
هناك قلة من الطيور التي تهاجم مفترساً من أجل إبعاده عن العش أو من أجل إبراز القوة أمام الإناث وهي فئة الآباء التي تهاجم الطائر المفترس لمجرد الحاجة إلى تعليم أولادها التمييز بين الطائر الصديق والطائر العدو.
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف لا تدافع الطيور الكبيرة المفترسة عن نفسها وهي الأقوى حجماً وسلاحاً بمخالبها ومناقيرها القوية. الجواب هو أنّ الطائر المفترس كالعقاب مثلاً، قد يكون في منطقة تعيش فيها طيور معششة كالغربان على سبيل المثال، فتخاف الأخيرة من التهامه صغارها فتبادر إلى الهجوم عليه قبل أن يرى أعشاشها أو صغارها. وبذلك، يتجاهلها أو يتركها وشأنها ليبتعد إلى منطقة أخرى تحت وطأة الملاحقة اليائسة. فالغربان تلاحقه بكلّ قوتها لأنّها مسألة حياة أو موت، لكنّ الطائر المفترس يتركها لأنّ العراك معها أمر لا يستحق عناء قتالها ومضايقاتها له. أما لو كان الطائر الجارح أو العقاب لديه صغار أو بيض في العش الخاص به فإنّ من الخطر على الغربان التحرش به لأنّه سيدافع عن صغاره بكلّ قوة ومهنية تجعله يقتل الغربان. على العموم، فإنّ الغربان تعتبر من أنواع الطيور الذكية، فهي لا تهاجم الجوارح من الطيور التي تكون في طور تربية صغارها، بل هي تعلم جيداً أنّ الطيران في مناطق تفريخ الجوارح محظور عليها ولا يمكن لها تجاهل هذا الحظر.
هذا كل ما نعرفه عن أسباب الهجوم أو التحرش بالطيور الأكبر حجماً والذي يكون عادة محصوراً بثلاثة أمور: الدفاع عن البيض والصغار وحمايتها وهو أهمها، والتباهي أمام الإناث، وتعليم الصغار التعرف على الأعداء وتمييزهم عن الأصدقاء من الطيور.
اقــرأ أيضاً
لكنّ ما لم تذكره الكتب والمقالات العلمية بعد هو لماذا تقوم المرزة الباهتة (جارح متوسط الحجم) في فصل الشتاء حيث لا يتوفر أيٌّ من الأسباب الثلاثة أعلاه بمهاجمة العقيب الاعتيادي (جارح أكبر حجماً) أو غيره من الجوارح الكبيرة. لقد دلت دراساتنا في منطقة عمّيق حول هذين النوعين المشتيين في لبنان بأنّ المرزة لا ترغب بأن يشاركها العقيب منطقة موارد رزقها المكون من فئران الحقول. وإليكم إذاً، سبباً رابعاً لمهاجمة طائر لطائر أكبر منه حجماً.
*اختصاصي في علم الطيور البرية
إنّها بالطبع شجاعة، لكنّها غالباً ما تكون مدفوعة بالحرص على حماية الصغار وإبعاد الخطر عنها أو في أحيان قليلة لإظهار القوة عند الذكر من أجل جلب انتباه الإناث إليه. وقد تكون هذه التصرفات جامعة لحماية الصغار وفرصة إظهار القوة معاً.
صدّ الطيور المفترسة من جوارح نهارية (عقاب، باز، صقر...) وليلية كالبوم، يحصل عادة بإطلاق صرخة أو نداء تتبعه ملاحقة فانقضاض وقد يصل إلى الصدام مع المفترس. والمدهش أنّ الطيور المدافعة عن صغارها تعلم ما هي قدرة وخطورة الطائر المفترس. فلقد وضع باحثون في البرازيل نموذجاً لبومة الوكور التي قلما تأكل العصافير، في مكان قريب من بعض مجموعات الطيور، فهوجم النموذج بشراسة. ثم استبدل النموذج بآخر يمثل البومة القزمية والمعروف عنها نهمها لتناول العصافير، فكان الهجوم عليها أقل حدة إذ يعود ذلك إلى كون المجموعات تمتلك القدرة على تقدير أذى الطائر المفترس وبالتالي الحذر منه.
هناك قلة من الطيور التي تهاجم مفترساً من أجل إبعاده عن العش أو من أجل إبراز القوة أمام الإناث وهي فئة الآباء التي تهاجم الطائر المفترس لمجرد الحاجة إلى تعليم أولادها التمييز بين الطائر الصديق والطائر العدو.
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف لا تدافع الطيور الكبيرة المفترسة عن نفسها وهي الأقوى حجماً وسلاحاً بمخالبها ومناقيرها القوية. الجواب هو أنّ الطائر المفترس كالعقاب مثلاً، قد يكون في منطقة تعيش فيها طيور معششة كالغربان على سبيل المثال، فتخاف الأخيرة من التهامه صغارها فتبادر إلى الهجوم عليه قبل أن يرى أعشاشها أو صغارها. وبذلك، يتجاهلها أو يتركها وشأنها ليبتعد إلى منطقة أخرى تحت وطأة الملاحقة اليائسة. فالغربان تلاحقه بكلّ قوتها لأنّها مسألة حياة أو موت، لكنّ الطائر المفترس يتركها لأنّ العراك معها أمر لا يستحق عناء قتالها ومضايقاتها له. أما لو كان الطائر الجارح أو العقاب لديه صغار أو بيض في العش الخاص به فإنّ من الخطر على الغربان التحرش به لأنّه سيدافع عن صغاره بكلّ قوة ومهنية تجعله يقتل الغربان. على العموم، فإنّ الغربان تعتبر من أنواع الطيور الذكية، فهي لا تهاجم الجوارح من الطيور التي تكون في طور تربية صغارها، بل هي تعلم جيداً أنّ الطيران في مناطق تفريخ الجوارح محظور عليها ولا يمكن لها تجاهل هذا الحظر.
هذا كل ما نعرفه عن أسباب الهجوم أو التحرش بالطيور الأكبر حجماً والذي يكون عادة محصوراً بثلاثة أمور: الدفاع عن البيض والصغار وحمايتها وهو أهمها، والتباهي أمام الإناث، وتعليم الصغار التعرف على الأعداء وتمييزهم عن الأصدقاء من الطيور.
لكنّ ما لم تذكره الكتب والمقالات العلمية بعد هو لماذا تقوم المرزة الباهتة (جارح متوسط الحجم) في فصل الشتاء حيث لا يتوفر أيٌّ من الأسباب الثلاثة أعلاه بمهاجمة العقيب الاعتيادي (جارح أكبر حجماً) أو غيره من الجوارح الكبيرة. لقد دلت دراساتنا في منطقة عمّيق حول هذين النوعين المشتيين في لبنان بأنّ المرزة لا ترغب بأن يشاركها العقيب منطقة موارد رزقها المكون من فئران الحقول. وإليكم إذاً، سبباً رابعاً لمهاجمة طائر لطائر أكبر منه حجماً.
*اختصاصي في علم الطيور البرية