طهران تفتح مواقعها... ومشروع إيراني مضاد يهدّد الاتفاق النووي

25 مايو 2015
يسمح البروتوكول بتفتيش مفاجئ وفوري للمنشآت النووية (فرنس برس)
+ الخط -

استمرّت الجلسة غير العلنية لنواب البرلمان الإيراني، أمس الأحد، ساعتين، مع كل من وزير الخارجية ورئيس الوفد المفاوض محمد جواد ظريف، ومساعده عباس عراقجي، إذ قدّم الرجلان تقريراً مفصلاً عن آخر المستجدات المتعلقة بـالمفاوضات النووية بين إيران والغرب، على خلفية موافقة الوفد المفاوض على فتح المواقع الإيرانية العسكرية للتفتيش الدولي، في إطار التحضير للاتفاق النووي النهائي المنتظر في نهاية يونيو/حزيران المقبل.

اختلفت وجهات نظر المواقع الرسمية الإيرانية حول ما أعلنه عراقجي بالذات، والذي نقل أنّ وفده المفاوض وافق على فتح باب المواقع العسكرية الإيرانية أمام المفتشين الدوليين، وهو ما طالبت به الأطراف المقابلة لإيران أخيراً، فضلاً عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تحدثت تقاريرها الرسمية الصادرة في وقت سابق، عن شكوك حول إجراء تجارب نووية بشكل سري في مواقع قالت عنها إيران إنّها عسكرية.

تصريحات النواب التي نقلتها المواقع الإيرانية، سواء أكانت داعمة أم منتقدة لهذا القرار، لم تنقل تفاصيل حديث عراقجي الذي جرى خلف أبواب مغلقة بعيداً عن العدسات. لكن نقل بعضهم  تأكيد عراقجي أن الموافقة على التفتيش مشروطة بأن يكون تفتيشاً منظّماً وقانونياً ودقيقاً، وفق ما ينص عليه البروتوكول الإضافي من معاهدة الحد من الانتشار النووي. كذلك يسمح البروتوكول بتفتيش مفاجئ وفوري للمنشآت النووية، ويشمل في حالات استثنائية بعض المواقع الأخرى غير النووية، ما يعني أن التفتيش أمر قانوني وطبيعي، وسيكون جزءاً من التزام طهران بتوقيع هذا البروتوكول بموجب الاتفاق النهائي الذي يجري العمل على صياغته حالياً والمفترض الإعلان عنه مطلع يوليو/ تموز المقبل.


اقرأ أيضاً استعراض دبلوماسي إيراني في أميركا: الاتفاق النووي أولوية

كذلك أوضح عراقجي عن منح وفده المفاوض للطرف المقابل، لائحة بأسماء علماء البلاد النوويين، لكنّه نقل أنه لم تتم الموافقة حتى الآن على إجراء مقابلات مباشرة مع العلماء والخبراء في بلاده، كما أكّد أن الوفد المفاوض استطاع أن يحصل على اعتراف الغرب بحق البلاد بتخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، فضلاً عن الإبقاء على عمل المنشآت النووية، لا سيما مفاعل آراك، بحسب ما نقلت المواقع الرسمية عن بعض النواب الحاضرين في الجلسة.

هذا الكلام، نقله أيضاً عضو لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان جواد كريمي قدوسي، والذي قال لوكالة "أنباء فارس" إن "كل ما ذكر سابقاً، يتعلق بشكوك الغرب المتخوف من عدم تقديم طهران للمعلومات حول نشاطها النووي بكل شفافية". وأكد قدوسي أن البرلمان يدرس في الوقت الحالي المشروع الذي سيحفظ حقوق البلاد النووية وإنجازاتها، بحسب تعبيره، والذي سيعلن عنه الأسبوع المقبل، وسيمنع غالباً العمل بأي اتفاق نووي من دون أن يمر على النواب.

أتى المشروع لمواجهة مشروع شبيه طرحه أعضاء الكونغرس الأميركي من الجمهوريين في وقت سابق. فطهران تعمل على اتخاذ خطوات احترازية، ومشروع البرلمان الإيراني سيسمح بالرد على أي إخلال بالتعهدات من قبل الطرف المقابل لإيران، وسيهدد بإلغاء الاتفاق المرتقب في حال فرض شروط غير مقبولة إيرانياً، وفق ما أعلن رئيس لجنة الأمن القومي علاء الدين بروجردي في مقابلة خاصة مع وكالة "مهر" الإيرانية.

اقرأ أيضاً: استئناف المفاوضات بين إيران و(5+1) اليوم

لكن الأهم الآن هو النقطة المتعلقة بالبروتوكول الإضافي وبتفتيش المواقع العسكرية. وتجدر الإشارة، إلى أن توقيع طهران على البروتوكول يحتاج أساساً لموافقة نواب البرلمان المحافظين بأغلبيتهم، ما سيعقّد ويصعّب مهمة الوفد المفاوض في كل الأحوال.

وقد أعلن رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني، عن ضرورة موافقة النواب بشكل قانوني على هذا البند، وأتى ذلك، بعد إدلاء ظريف وعراقجي بتصريحاتهم. وعلى الرغم من دعم لاريجاني العلني للوفد المفاوض، لكنه في الوقت عينه طالب الرجلين بتقديم تقارير مفصلة ومكتوبة حول ما يجري في المفاوضات بشكل دائم، وتحدث عن ضرورة الاستفادة من كل الفرص الدبلوماسية لحلحلة الموضوع النووي والمسائل الإقليمية والدولية.

لاريجاني، المقرب من دائرة المرشد الأعلى علي خامنئي، يدعم الوفد المفاوض، لكنه لن يسمح بتجاوز بعض الخطوط الحمراء، وسيدعم المشروع البرلماني الذي سيعلن عنه بعد مدة، ليكون بمثابة قوة ردع لإيران وسلاح سيستخدمه البرلمان في حال فرض المزيد من العقوبات أو طرح طلبات غربية "غير معقولة"، بحسب وصف بعض المحافظين. كما أنّ هناك أغلبية في البرلمان وخارجه يؤيدون وجهة النظر هذه على الرغم من كل التشدد. ويتحدّث هؤلاء عن ضرورة دعم المفاوضين الإيرانيين حتى النهاية، مقابل إلغاء العقوبات كلياً ونيل الاعتراف الدولي ببرنامج طهران النووي وهي امتيازات كافية ومعقولة.

اقرأ أيضاً الصحف الإيرانية: ربيع الاعتدال أم ثقة بالشيطان؟

في المقابل، هناك فئة أكثر تشدداً تواجه المفاوضين علناً، ولا تهدئ من روعها، إلّا بتصريحات واضحة من خامنئي. وقد نقلت وكالة "أنباء فارس" أن النائبين حميد رسايي ومهدي كوتشك زاده، من الصقور المحافظة المعروفة بتشددها في البرلمان، قد علت أصواتهما المعترضة على التصريحات خلال الجلسة الأخيرة لعراقجي وظريف في البرلمان، متسائلين عن سبب عدم نشر ظريف لورقة الحقائق التي من المفترض أن يعلن فيها تفاصيل بنود الاتفاق الإطاري المعلن عنه في لوزان الشهر الماضي.

أما النقطة التي ستفتح الجدل الأكبر من قبل هؤلاء، فتتعلق بتصريح المرشد علي خامنئي، والذي أعلن سابقاً عن عدم قبوله بفتح المنشآت العسكرية أمام أي طرف، فضلاً عن تأكيده ضرورة عدم منح أي معلومات حول الخبراء والعلماء الإيرانيين. وقال عضو لجنة الأمن القومي عباس منصوري آراني عن هذا الأمر لوكالة "الأنباء الإيرانية الرسمية": "إن المرشد هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وأي قرار بتفتيش المواقع العسكرية يجب أن يصدر عنه شخصياً"، متابعاً، "إن الوفد المفاوض مقيّد بقرارات المرشد وعلى أعضائه عدم تجاوز الخطوط الحمر"، معتبراً أن وجود وجهات نظر مختلفة أمر طبيعي، وحتى البروتوكول الإضافي لن يتم العمل به إلّا بحسب بنوده الدقيقة، ما يحتاج أساساً إلى موافقة النواب.

اقرأ أيضاً جولة حاسمة لمفاوضات لوزان: تفاؤل روسي إيراني وحذر أميركي

قد يستغرب كثر من اختلاف تصريحات أعضاء الوفد المفاوض هذه المرة عن تصريحات المرشد. وقد يتحدث بعضهم عن ضرورة توزيع الأدوار في إيران، لتنال طهران اتفاقها النووي الضروري خلال هذه المرحلة، ما سيفتح الباب نحو حلحلة مسائل إقليمية أخرى مرتبطة بإيران. لكن من الواضح أن شرط عراقجي الذي يلخّص بجملته، أنّه تمت الموافقة على تفتيش "منظّم"، تعني بنوداً دقيقة وواضحة تتعلق بالتفتيش سيتم الإعلان عنها في وقت لاحق، ما قد يسكن الجدل، وقد يقصد من كلام المرشد أيضاً أنه يمنع التفتيش لمواقع بعينها دون أخرى.

على الرغم من كل الجدل السائد في الداخل الإيراني والانتقادات الموجهة للوفد المفاوض، فإن الجميع متفق على ضرورة دعم المفاوضين الإيرانيين خلال هذه المرحلة. لكن هذا لا ينفي أن الخلاف سيستمر على عدد من النقاط المتعلقة بالنشاط النووي، وربما فتح نار البرلمانيين المتشددين على المفاوضين في حال لم يقدم عراقجي توضيحات دقيقة تتعلق بالتفتيش، ما يعني ضغوطات شبيهة بتلك الضغوطات التي تمارس على الوفد الأميركي من الداخل، هذا وإن ضغط على المفاوضين الإيرانيين في الداخل، لكنه من جهة أخرى سيساعدهم على طاولة الحوار مع الغرب الذي سيرحب بمزيد من التعاون الإيراني.

اقرأ أيضاً واشنطن لطهران: انحنوا للعاصفة

المساهمون