طهران تحتمي بجيرانها لتفادي أزمات العقوبات الأميركية

14 يناير 2019
إيران تسعى لتأمين احتياجاتها من البضائع(Getty)
+ الخط -

كشفت مصادر إيرانية عن اتخاذ خطوات لتعزيز العلاقات الاقتصادية، ومضاعفة التبادل التجاري بين إيران وباكستان، في محاولة من طهران للتغلب على العقوبات الأميركية.
وحسب المصادر، "تقترب كل من إيران وباكستان من افتتاح منطقة حرة، تستهدف تنشيط التعاون بين البلدين في العديد من القطاعات، كما أن هذه المنطقة ستفتح الباب أمام طهران للعبور إلى الهند، في خطوة ستساهم في مساعدتها على كسر الحظر الأميركي ومواجهة تداعيات العقوبات.

وقال القنصل الإيراني في ولاية بلوشستان الباكستانية محمد رفيعي، إنه سيتم افتتاح منطقة حرة مشتركة بين إيران وباكستان، ستكون في منطقة ميرجاوه المحاذية لكلا البلدين والواقعة جنوب شرقي إيران، مؤكداً أن ذلك يهدف لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، وأشار لنية طهران وباكستان الرامية لرفع معدل التبادل التجاري بينهما مستقبلاً إلى خمسة مليارات دولار.
تصريحات رفيعي هذه تزامنت مع تصريحات أخرى، جاءت على لسان الوزير في ولاية بلوشستان الباكستانية جام كمال خان، الذي أكد أن الوضع الأمني المضطرب في ذات المنطقة ينعكس سلباً عليهما، معتبراً أن تطوير العلاقات الاقتصادية المشتركة من شأنه تحقيق الاستقرار هناك. وأشار إلى ضرورة إلغاء الضرائب، فيما تحدث رفيعي أن طهران ستزود باكستان بالوقود ومصادر الطاقة بأسعار مخفّضة.

هذه المنطقة الحرّة إن دخلت حيز التنفيذ العملي بشكل حقيقي، فلن تكون بحسب عدد من خبراء الاقتصاد في الداخل الإيراني لمصلحة طهران وإسلام أباد فقط، بل ستزيد من حجم المغريات المقدّمة للهند، وهو ما يعني أن إيران ستجد طريقاً سهلاً لتصدير نفطها، في ظل وجود عقوبات واشنطن النفطية التي بدأت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بسبب البرنامج النووي.
وفي تقرير نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، فإن في السوق الباكستانية ما يزيد عن 200 مليون نسمة، والتجاور الجغرافي والقرب من الهند أيضاً يعنيان أن العلاقات الاقتصادية بين الجميع ستتطور.

وأكد التقرير أن التبادل التجاري بين طهران وإسلام أباد، حافظ فترة طويلة على معدل 500 مليون دولار سنوياً، لكنه ارتفع في الأعوام الثلاثة الأخيرة ليتجاوز مليار دولار، وأوضح التقرير أن ميناء تشابهار الذي يشكل بوابة إيرانية نحو المحيط الهندي بميناء غوادر الباكستاني سيفتح ممراً أمام الأطراف الثلاثة، وهو ما سيتطور كثيراً إذا ما افتتحت منطقة ميرجاوه، وسينعكس على التجارة نحو منطقة جنوب آسيا وآسيا الوسطى.

وتزامن ذلك مع زيارة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للهند الأسبوع الماضي، الذي أكد أن ذهابه إليها يأتي لغايات اقتصادية، وأعرب أن بلاده لن تبقى في انتظار الأوروبيين، الذين من المفترض أن يقوموا بتفعيل الآلية المالية التي من شأنها ضمان تجارة طهران مع الآخرين وتسهيلها، وهو ما وعد الاتحاد الأوروبي بتقديمه مقابل أن تحافظ إيران على تعهداتها في الاتفاق النووي بعد انسحاب واشنطن منه مايو/ أيار الماضي.

وتعليقاً على هذا التطور، قال الخبير الاقتصادي علي دوستي إن ميناء تشابهار سيفتح طريق ترانزيت استراتيجي واستثنائي أمام الدول الثلاث، معتبراً أن زيادة الاستثمار؛ سواء كان ثنائياً بين إيران وباكستان، أو ثلاثياً مع الهند في تلك النقطة بالذات، من شأنه أن يزيد من حالة الاستقرار في مناطق إيران الشرقية، التي تشهد توترات أمنية بين الفينة والأخرى، وهو ما تريده طهران كذلك إلى جانب رغبتها بتجاوز العقوبات.
وأضاف دوستي لـ"العربي الجديد" أن خط الترانزيت البحري من تشابهار ووصله بميرجاوه، سيعني تأمين بضائع إيران في زمن الحظر الأميركي، بل إنها ستستطيع التحرك نحو أسواق الصين وأفغانستان وباكستان والهند، بطريقة أسرع وأقل تكلفة، مشيراً لاحتمال حصول ارتفاع في فرص العمل في منطقة ميرجاوه، وهو ما يعني انتعاشاً.

ورأى دوستي أن هناك حاجات اقتصادية مشتركة لدى الأطراف الثلاثة، وهذا يعني بالضرورة تقليص الخلافات السياسية في ما بينها لاحقاً، وقد يؤدي لإنعاش مشروع خط غاز السلام.
وعن إمكانية افتتاح هذه المنطقة، رأى المحلل الاقتصادي علي إمامي، أن تفعيل الأمر لن يكون سهلاً، حتى لو اتخذ المعنيون في القطاعات الاقتصادية هذا القرار بشكل عملي، فهو أمر يحتاج لموافقة البرلمان الإيراني وفقاً لما يمليه الدستور، ليتحول لسيناريو عملي يؤتي الثمار التي يتطلع لها الطرفان.

أما الصحافية في قسم الاقتصاد في وكالة مهر الإيرانية فرشته رفيعي، فرأت أن هذا المخطط سيحمل تبعات إيجابية للغاية.
وقالت لـ"العربي الجديد" إن باكستان باتت شريكاً تجارياً مهماً لإيران، فقد ارتفع معدل التبادل التجاري بينهما كثيراً في الفترة الأخيرة.

ووفقاً لآخر الأرقام، بلغ حجم الصادرات الإيرانية لباكستان، خلال الأشهر الثمانية الأخيرة، 800 مليون دولار ما وضع باكستان في المرتبة السابعة من بين الأسواق التي تُصدر لها البضائع الإيرانية. في المقابل، بلغ حجم صادرات باكستان إلى إيران في ذات الفترة الزمنية 200 مليون دولار، وهي أرقام جيدة للغاية بحسب وصفها.

وأضافت رفيعي أن التصريحات الرسمية، التي تتحدث عن نية رفع معدل التبادل التجاري لخمسة مليارات دولار، من الممكن أن تتحقق عملياً، بل إن المستثمرين في القطاع الخاص لدى كلا البلدين يتوقعون ارتفاعه إلى ثمانية مليارات دولار في السنوات القليلة المقبلة.
وأشارت إلى أن باكستان تنتج بضائع متطورة من قبيل الأجهزة الطبية، وهي ذاتها التي تستوردها إيران من دول أوروبية، وافتتاح منطقة التجارة المشتركة يعني أن التكاليف ستصبح أقل على طهران، وهو ما يعني إتاحة تأمين ما تحتاج إليه وخاصة بعض البضائع التي تعرقل العقوبات الأميركية وصولها للبلاد.

وبحسب رفيعي، فإن هناك عدداً من التحديات والعراقيل، وعلى رأسها عدم وجود قناة مالية مشتركة بين الطرفين، موضحة أن المصرف المركزي في طهران وإسلام أباد، وقّعا اتفاقية تعاون قبل خمس سنوات لتأسيس غرفة مشتركة، وقد تم تفعيلها في باكستان دون أن يحصل ذات الأمر في إيران.
واعتبرت أن إزاحة العراقيل المالية من شأنه أن يحلّ العديد من المشكلات، كما سيقرر الطرفان إجراء تبادلاتهما بالعملة المحلية، وهو ما سيرفع نشاط القطاع الخاص.

المساهمون