طلاب نكد

23 ابريل 2015
+ الخط -

التقيتُ بصديق قديم.. كبير الهم.. كان أطولنا بالاً.. وأبعدنا نظراً.. كلما نفدت أحلامنا أتيناه. كنا.. كلما قلنا له ذلاً، قال لنا عزّاً.

التقيته صدفة، بل صدمة، لأستبدل صورته السابقة في رأسي من ذلك النحيف المعتز بـ"لفحته" الفلسطينية، الرافع رأسه ورأسنا، ها هو تحوّل إلى هذا الأب السمين، متلحفٌ باللحم حول رقبته. موظف متكرر.. مبرر لكل ما يحدث بالمؤامرة.. لولا بقايا عزة في عينيه الثابتتين.. ما عرفته ولسانه ينطق بالشكوى من أسعار وينادي ابنه يا حمار..

حدثني أنه معجب بهجوم الشيب على رأسه، فالهيبة تزيد وأن أيام الجامعة كانت شقاوة مضحكة..

قلت له أرسل لي نفسك السابقة.. فنسختك هذه هي أسوأ نهاية لمناضل أشعل حماسنا وألصقنا بمبادئ كنا نقترب منها على خجل وكنت تدفعنا لها دفعاً.

اضطررت أن أضحك له على ضحكه من كلامي، لا يهم كم تشتعل شاباً في ما كنت تراه الحق.. المهم كيف أنت مستقبلاً وهل اشتعالك اليوم لمبدأ سيثمر أم هو اشتعال ألعاب نارية للمتعة فقط.

هل تخيّلت نفسك عاماً بعد عام.. أين تتجه؟ ومن أنت بعد عشرة أو عشرين عاماً. أي أب أنت؟ وأي زوج؟ وأي جد؟

هل تخيّلت نفسك، أم ستترك للمجتمع يفصّل لك أيامك ويضع ثقله على وجهك فتؤجرعائلتك لتحمل لك كل همومك وتعيش كائناً رخواً عقلاً وجسماً. قال لي إن أحلامه سيحققها له غيره.. التفت لابنه وأعطاه اثنين من أحلامه ولابنته واحداً وللصغير الزاحف أصعبهم، وقال هذا سيحرر فلسطين إن شاء الله، وجلس يفرك أصابع أرجله بعضها ببعض مبتسماً لي مستمعاً وأنا مشدوه أحمل كوب الشاي أنظر لمخلوق جديد بلا أحلام وبلا هم ولا ضمير، يقلّب بين القنوات ويضحك، فقد ورث كل من حوله الصعب وعاش للسهل.. مبتسماً.

خرج من حالته تلك ونظر إليّ بعينيه القديمتين وقال لي: "الصامتون هم المنشغلون بحديث طويل مع ذكرياتهم.. ففي الماضي ما يغني عن المستقبل أحياناً. أنا عرفت مصلحتي كيف أعيش بحق.. أما أنتم فلا أراكم سوى طلاب نكد..

تساءلت.. هل نحن؟

فعلاً.. خائن من يتخلى عن أحلامه.


(فلسطين)

المساهمون