طلاب لبنان... هل يخسرون سنواتهم الدراسية في الخارج؟

05 سبتمبر 2020
يبدو مستقبلهم مجهولاً (حسين بيضون)
+ الخط -

غادرت ناتالي دياب لبنان إلى أوكرانيا قبل خمس سنوات لدراسة الطب العام وتحقيق حلم رافقها منذ الصغر، على الرغم من الصعوبات التي كانت تدرك أنها ستواجهها في الخارج بسبب بعدها عن أهلها وأصدقائها. لكنها لم تكن تعلم أنّ لعنة الأزمات الاقتصادية والمالية في لبنان ستطاولها حيث تعيش وتهدّد مستقبلها. قصّة دياب هي قصة آلاف الطلاب اللبنانيين في الخارج الذين يعجزون منذ أكثر من سبعة أشهر عن دفع الأقساط الجامعية وبدلات إيجار مساكنهم وغيرها من الفواتير المترتبة عليهم والنفقات اليومية من مواصلات ومأكل ومشرب، بسبب حجز المصارف اللبنانية ودائع المواطنين بالدولار الأميركي، ووقف التحويلات المصرفية الى الخارج وحتى إلى الطلاب، على الرغم من التعهدات والوعود التي لم تتحقق، وسط تجاهل السلطات اللبنانية قضيتهم وظروف معيشتهم القاسية. هؤلاء الطلاب رفعوا الصوت مراراً وتكراراً بدعم من الجاليات التي احتضنتهم، والتحركات التي نفذوها أمام سفارات بلادهم في الخارج من دون أن تلقى آذاناً صاغية لدى المسؤولين.
تقول دياب لـ "العربي الجديد": "قد تكون قضيتنا غير مهمة أو بسيطة بالمقارنة مع المعاناة التي يعيشها اللبنانيون، ولا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب الماضي. لكننا المستقبل. ويبدو أننا سنتحول إلى مغتربين ومهاجرين بفضل تصرّفات السلطات اللبنانية ونبذها لشعبها وحقوقه، وسياساتها التي تدفع الشباب إلى الرحيل". 

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

تضيف: "يستحيل أن أعود إلى لبنان، خصوصاً بعد الأحداث الأخيرة، إلا لرؤية عائلتي من حين إلى آخر. لكنني لن أعيش أو أنجب أطفالاً في وطنٍ لم يقدّرني أو يقدّم لي الحياة. لا أريد لأبنائي أن يختبروا أزمات كتلك التي مررنا بها، والتي أعاني بسببها حتى اليوم. اجتزت نصف الطريق نحو التخرّج وتبقّت لي ثلاث سنوات قد أخسرها في حال لم تحلّ أزمة الدولار".
دياب سافرت الى أوكرانيا قبل أيام، بعدما كانت قد قدمت إلى لبنان في مايو/ أيار الماضي في رحلات العودة التي نظمت خلال فترة التعبئة العامة التي فرضت بسبب تفشي فيروس كورونا، ودفعت ثمن تذكرة سفر مرتفعاً جداً بحجة القدرة الاستيعابية وذرائع أخرى. وستجري في شهر أكتوبر/ تشرين الأول امتحاناتها التي قد تكون الأخيرة لها في حال لم تؤمن المال اللازم للقسط الجامعي ونفقات تجديد الإقامة والعيش والسكن.
وتلفت دياب الى أنّ والدها يتقاضى راتبه التقاعدي بالعملة الوطنية ولا يملك أي حساب مصرفي بالدولار الأميركي، وقسطها الجامعي هو 4300 دولار في السنة، ما يعدّ مقبولاً بالمقارنة مع أقساط الجامعات الخاصة في لبنان. عاشت شهرين هما الأصعب في حياتها عندما بدأت أزمة كورونا وتوقفت التحويلات وتوقف دخل والدها الذي يملك محلاً تجارياً نتيجة الإقفال. تقول: "على الرغم من الظروف القاسية، حرص والدي على شراء الدولار من الصراف تبعاً لتعاميم البنك المركزي والآلية الموضوعة للطلاب اللبنانيين في الخارج، لكنه لم يستحصل إلّا على 300 دولار وهذا المبلغ لا يكفي للعيش ولا حتى للدراسة".

لن أعيش أو أنجب أطفالاً في وطنٍ لم يقدّرني أو يقدّم لي الحياة
 


تضيف: "اليوم، أخذت معي مبلغاً من المال يكفيني لشهرين. لكن هل من المعقول أن يشتري والدي مئتي دولار في مقابل مليون و600 ألف ليرة لبنانية، بينما يتقاضى تقاعده بالعملة الوطنية وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة؟". وتشير إلى أنها حاولت الانتقال إلى جامعة خاصة في لبنان لكنهم رفضوا تعديل موادها، ما يعني العودة إلى نقطر الصفر".
أما طارق حسن، فهو أيضاً طالب لبناني يتابع دراسة الطب في لاكويلا وسط إيطاليا منذ عام 2012. تخرّج العام الماضي وبقيت أمامه سنة تدريبية وتقديم أطروحته قبل أن يتمكن من ممارسة المهنة. يقول لـ "العربي الجديد": "المشكلة بدأت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بسبب أزمة الدولار والتحويلات المصرفية إلى الخارج. بحثت عن عملٍ من أجل تأمين مصروفي والنفقات اليومية من مواصلات وسكن وغير ذلك، إلى أن بدأ فيروس كورونا بالانتشار في إيطاليا. عمدت السلطات إلى إقفال البلاد بالكامل. وعندها واجهت أسوأ ما في حياتي، فلا مال ولا تحويلات ولا عمل. اضطررت إلى الاستدانة من بعض الأصدقاء. فأنا أعيش هنا منذ سنوات وأصبح لدي الكثير من المعارف، على عكس الطلاب الجدد الذين تركوا لوحدهم يواجهون مصيراً قاتماً في ظل عدم اكتراث المسؤولين اللبنانيين لمعاناتهم. ويتوجب عليهم دفع مبالغ تفوق الألفي دولار وتشمل تجديد الإقامة وبدل إيجار السكن والتأمين وغيرها. ووجهت للبعض إنذارات بترك المنزل في حال عدم تسديد بدلات الإيجار التي تراكمت عليهم".

الجامعات في الخارج لا تسامح الطلاب لناحية القسط الجامعي
 


يضيف حسن: "اعتقدت أن الأزمة ستستمر شهراً أو اثنين على الأكثر. نظّمنا تحركات ورفعنا مطالبنا كطلاب لبنانيين في إيطاليا الى السفيرة اللبنانية في روما، والقنصل اللبناني في ميلانو بإقرار مشروع قانون الدولار الطالبي (إقرار تحويل كافة مصاريف وأقساط الطلاب اللبنانيين في الخارج وفق سعر صرف 1515 ليرة لبنانية، من دون استثناء)، لكن لا حياة لمن تنادي، والأزمة بقيت وتفاقمت حدتها، وهناك ديون متوجبة عليّ لم أدفعها". ويقول: "بدأت عملاً جديداً في روما مطلع أغسطس/ آب الماضي على أمل أن أتمكن من تسديد الديون والمستحقات".  
من جهته، يقول أمين سر "الجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الجامعات الأجنبية" ربيع كنج، لـ "العربي الجديد": "عملنا بدأ كلجنة أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج في فبراير/ شباط الماضي، وتمكّنا من تحويل قصتنا إلى قضية رأي عام. لكن للأسف، قوبل الردّ على مطالبنا بتعاميم لم تنفذ ولا تتمتع بالصفة الإلزامية على الرغم من حجم المعاناة التي يعيشها الطلاب، وإقاماتهم التي باتت مهددة حيث يدرسون". ويشير إلى أن الجامعات في الخارج لا تنظر إلى أوضاعهم أو تسامحهم بالقسط الجامعي. وفي حال عدم تسديد القسط، يصار إلى طردهم.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويوضح كنج أنّ عدد الطلاب اللبنانيين في الخارج كبير جداً. ويوجد في أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا وجورجيا نحو 5 آلاف طالب وطالبة. كما ينتشرون في رومانيا والتشيك وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا واليونان وقبرص وتركيا، مشيراً إلى أنّ أوضاع الطلاب تختلف طبعاً بحسب حالتهم الاجتماعية. على سبيل المثال، فإن أقساط جامعات دول أوروبا الغربية رمزية وتصل إلى 500 يورو (نحو 591 دولاراً أميركياً) في العام، لكن كلفة المعيشة مرتفعة جداً لناحية السكن والمواصلات وما إلى ذلك. وهؤلاء لم يعد في إمكانهم الاستمرار لأن من كان يرسل إليهم 200 دولار شهرياً لم يعد قادراً على ذلك. أما الأقساط في أوروبا الشرقية، فتفوق الخمسة آلاف دولار، عدا عن المصاريف الشهرية المرتفعة. هؤلاء أيضاً مهددون إلى درجة كبيرة نظراً للسقوف التي وضعت على الدولار وشرائه من الصرافين. وبات من الصعب عليهم دفع الأقساط، وقد يعود عدد كبير إلى لبنان في سبتمبر/ أيلول عندما يحل موعد تجديد الإقامات، ويتعذّر عليهم دفع المبلغ المتوجب.
بدوره، يقول رئيس الجالية اللبنانية في أوكرانيا، علي شريم، لـ "العربي الجديد"، إن عدد الطلاب الموزعين على المدن الأوكرانية يقدر بنحو ألفي طالب لبناني. هؤلاء كانوا يعيشون حياتهم بشكل عادي حتى نهاية عام 2019، وارتفاع حدة الأزمة الاقتصادية في لبنان خصوصاً النقدية، وبعدها أزمة كورونا التي فاقمت الوضع سوءاً. ويشير إلى أنّه "في حال استمرار الأزمة، من المتوقع أن يعود خمسون في المائة من الطلاب الى لبنان، ما يعني خسارة سنوات من عمرهم أمضوها في الخارج وهم يدرسون وينفقون الأموال على الأقساط والمعيشة، علماً أننا خضنا معارك كثيرة لأجلهم وتحركات لحلّ قضيتهم. لكن للأسف، لم تتجاوب الهيئات الرسمية والدبلوماسية لتسهيل عملية تحويل الأموال من لبنان إلى الخارج وفق سعر الصرف الرسمي".

المساهمون