تحتلّ الدنمارك مراكز متقدّمة في مؤشّرات السعادة المختلفة حول العالم، غير أنّ مفارقة سُجّلت أخيراً في هذا السياق. فقد أفاد تقرير حديث صادر عن "المنظمة الوطنية للبلديات" (كيه إل) التي تشمل البلديات الدنماركية الثماني والتسعين، بأنّ أكثر من طفل واحد من بين كلّ سبعة أطفال في الدنمارك (أي ما نسبته 14.9 في المائة) شُخّص بمرض نفسي حتى عام 2019.
وتظهر الأرقام الواردة في تقرير البلديات الذي تناول من هم دون 18 عاماً في البلاد والذي نشرت وكالة الأنباء الدنماركية "ريتزاو" مقتطفات منه، زيادة في تشخيص الأمراض النفسية بالمقارنة مع عام 2012، عندما كانت النسبة 11.2 في المائة. ويؤكد البروفسور سورن دالغوورد، وهو أستاذ علم الأمراض النفسية لدى الأطفال والمراهقين في جامعة آرهوس (غرب وسط)، أنّ البلاد شهدت بالفعل زيادة في هذا المجال في خلال الأعوام الماضية. ويرى دالغوورد في تصريحات لوكالة الأنباء الدنماركية أنّ من أبرز تفسيرات هذه الزيادة "قدرتنا الأكبر اليوم على اكتشاف الأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية نفسية، وفي الوقت نفسه صارت المعاناة النفسية أقلّ تصنيفاً في خانة التابوهات التي لم يكن الحديث عنها يُصار علناً. وهذا أمر أعدّه ممتازاً ومهماً بالنسبة إلى الأطفال والناشئة". يُذكر أنّ دالغوورد شارك في إعداد الدراسة لمصلحة "المنظمة الوطنية للبلديات" إلى جانب زملاء له في جامعة آرهوس.
ويشدّد دالغوورد على أهميّة التركيز على الصحة النفسية لدى الصغار، "فهؤلاء مهمّون جداً، علماً أنّ الأرقام تشير بوضوح إلى أنّنا صرنا أكثر وعياً واهتماماً بأحوالهم تلك بالمقارنة مع السابق". ويلفت إلى أنّ "التشخيص يكون مريحاً ومفيداً كذلك لهذه الفئة العمرية، إذ إنّ الصغار سوف يفهمون ما يعانونه ويتقبّلون العلاج الذي يُقدَّم لهم".
وكانت الحكومات الدنماركية المتعاقبة قد تعرّضت لانتقادات على خلفية إهمالها الصحة النفسية لليافعين وتركيزها على الصرامة في التربية والتأديب، قبل أن يصير التركيز على الصحة النفسية أمراً ضرورياً قبل أربعة أعوام. بالتالي، صارت تخصّص في مدارسها معالجين نفسيين وأطباء متخصصين بالأمراض النفسية والعقلية للأطفال، فيُتاح المجال أمام الصغار للتوجّه بأنفسهم إلى هؤلاء والتحدّث إليهم عن مشكلاتهم، فيُقدَّم لهم ما يلزمهم من دعم وعلاج. بالإضافة إلى ذلك، تتميّز الدنمارك، شأنها شأن جاراتها في اسكندنافيا، بتخصيص "خط ساخن" على مدار الساعة يتيح للصغار التحدّث مع مرشدين ومتخصصين والتبليغ أحياناً عن تعرّضهم لعنف منزلي أو تقصير في الرعاية من قبل الأهل.