وكان الأب اختطف ابنه دانيال يوم 2 مايو/أيار الحالي من منزل جدته في زاباروجيا، جنوب شرق أوكرانيا، وتحصن في السفارة في العاصمة كييف، محاولاً العودة به إلى بلده، حيث منحته المحكمة حق الحضانة الكاملة.
ويبدو أن هذه الأزمة التي بقيت صامتة دبلوماسياً لم تعد كذلك خلال اليومين الماضيين، بعد أن بدأت مستويات وزارية في البلدين تتدخل لحل قضية الطفل الذي يحمل جنسية مزدوجة أوكرانية ودنماركية.
وتقف الشرطة الأوكرانية، التي أصدرت مذكرة بحث عن الطفل، عاجزة عن فعل شيء أمام السفارة، بينما أثارت الوالدة ضجة كبيرة أدت إلى تعاطف معها على وسائل التواصل الاجتماعية، وخصوصاً أنها بقيت تقيم في سيارتها أمام السفارة على مدى أسبوع كامل.
واستدعيت سيارة إسعاف من قبل متعاطفين معها لإحراج طاقم السفارة الدنماركية، بحجة أن الطفل يحتاج مساعدة طبية وسط دهشة الموظفين من وجود كاميرات التلفزيون الأوكراني أثناء محاولة طاقم الإسعاف اقتحام بوابة السفارة الدنماركية.
وباتت الصحف في البلدين تتعاطى مع القضية باعتبارها أزمة دبلوماسية.
وكان وزير خارجية أوكرانيا، بافلو كليمكين، اضطر إلى مطالبة زميله الدنماركي، أندرس سامويلسن، بالتدخل في القضية.
Facebook Post |
ولم تقتصر القضية على وسائل الإعلام، فقد ذهب كليمكين أول من أمس الخميس لاستخدام "تويتر" موجهاً كلامه للأوكرانيين وللسفارة الدنماركية بأنه "على تواصل مع (وزير الخارجية الدنماركي) أندرس صموئيلسن بشأن اختطاف الطفل دانيال نحو السفارة الدنماركية في مخالفة لكل القوانين".
وطالب وزير الخارجية الأوكرانية بما سماه "وقف صب الزيت على النار. فعلى السفارة التصرف بإنسانية لترك الوالدة تقابل ابنها وتعطيه أدويته". وتخشى والدة الطفل من أنها لن تتمكن من رؤية طفلها مستقبلاً، إذا ما غادر مع والده إلى الدنمارك.
وتفتح "الأزمة الدبلوماسية" السجال مجدداً حول حقوق الحضانة في الدنمارك، إذ تتهم المحاكم بأنها تمنح الأمهات ذلك الحق أكثر من منحه للآباء. بل إن معلقين أوكرانيين أبدوا تفهماً لتصرف الأب الدنماركي بالتعليق على صفحة وزير خارجيتهم وعلى وسائل التواصل بأن "آلاف الرجال لا يتمكنون من رؤية أطفالهم إذا ما منعتهم زوجاتهم، ولا توجد آلية تجبرهم على ذلك، لكن لو مُنعت الوالدة، لتحولت القضية إلى فضيحة، واتهامات كبيرة بحق الرجل"، بحسب ما كتب أحدهم، معقباً على مناشدة وزير خارجية كييف نظيره الدنماركي.
وانتقد معلقون آخرون تصرف الوالدة التي "حصلت على موافقة من الأب بأخذ طفلها معها إلى زيارة أوكرانيا، ولكنها لم تعده، فهي المذنبة".
المعضلة التي تعيشها الدبلوماسية الدنماركية تتعلق أكثر بحذر شديد من طرد مواطنيها، الأب والابن، إلى خارج السفارة، وخصوصاً أن الأب متهم بـ"الخطف والسرقة"، وتلك تهمة ثقيلة في أوكرانيا حين تتعلق بالأطفال، بحسب القانونيين الدنماركيين المعقبين على ما يجري في وسائل إعلامهم المحلية.
Facebook Post |
والقضية الأخرى أن الدنمارك لديها سابقة في طرد من لجأ إلى سفارتها، وأدى إلى فضيحة سياسية ثقيلة في عام 1988 حين طردت 18 ألمانياً شرقياً تحصنوا في سفارتها ببرلين الشرقية، وانتهى الحال بهؤلاء لدى جهاز أمن "ستاسي"، ما تسبب بأزمة سياسية كبيرة لرئيس الوزراء الدنماركي الأسبق بول شلوتر، خصوصاً أن "تسليم" هؤلاء المواطنين جرى قبل أيام قليلة من زيارة شلوتر لسفارة بلده.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوبنهاغن، مارتن ماركوسن، أن أي تصرف من السفارة الدنماركية سيعتبر غير لائق "فسيجري انتقاد الدبلوماسية الدنماركية لو أنها أغلقت أبوابها بوجه الأب والابن، والآن توجه السهام نحوها من الأوكرانيين لأنها سمحت بتحصنهما فيها، فالمعضلة ليست سهلة بالمطلق وتفتح سجالاً كبيراً حول عديد القضايا المتعلقة بالبعثات الدبلوماسية وعلاقات الدول".
وعادة لا تتسامح الدنمارك مع "خطف الآباء" لأطفالهم، وتظل تلاحق هؤلاء لسنوات حتى يجري القبض عليهم. وتصدر السلطات بطاقات بحث بحق بعض اللاجئين ممن اختطفوا أطفالهم من أمهاتهم، عائدين بهم إلى بلادهم بعد وقت قصير من اللجوء واندلاع الخلافات الأسرية، بينما تجري نزاعات قضائية حول أزواج دنماركيات من دول أوروبية ولاتينية، اختطفوا أطفالهم منذ سنوات عديدة.
ولا تفرق الدنمارك بين أم دنماركية وأخرى مهاجرة في السعي لمنع أو استعادة الأطفال المخطوفين. ففي مارس/آذار الماضي استنفرت الشرطة الدنماركية استنفاراً كبيراً بدوريات شملت عدداً من دراجات نارية شرطية وست سيارات لمحاصرة رجل (من أصول مهاجرة) لأن زوجته اتصلت بالشرطة تبلغ أن طليقها هرب بالبنت البالغة خمس سنوات أثناء الزيارة الدورية للأب، ويسعى لخطفها نحو بريطانيا.