تبدو عودة حكومة "الوفاق الوطني" الليبية برئاسة، فائز السراج، إلى العاصمة طرابلس، مليئة بالمخاطر والعقبات، في ظل تجاذبات سياسية وأمنية وظروف ميدانية معقدة، فبعد مرور يومين من "الأيام القليلة" التي تحدّث عنها المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، قبل أن تنتقل حكومة "الوفاق" إلى طرابلس، اصطدم تفاؤله بحقيقة الواقع الليبي مرة أخرى، مع تعثّر ذهابه إلى العاصمة الليبية، أمس الأربعاء، بعد رفض منح طائرته حق الهبوط في مطار معيتيقة، حيث كان يُفترض أن يلتقي رئيس حكومة طرابلس خليفة الغويل.
واكتفى كوبلر بالقول في تغريدة عبر حسابه الشخصي في موقع "تويتر"، أمس الأربعاء، إنه اضطر لإلغاء سفره إلى طرابلس، من دون تحديد الجهة التي عرقلت سفره، مشيراً إلى أن "بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا أرادت المساعدة في تمهيد الطريق أمام المجلس الرئاسي لدخول العاصمة، ومن حق الأمم المتحدة الطيران إلى طرابلس". هذه الزيارة تم تأجيلها في مرحلة أولى، إلى يوم الإثنين المقبل، "لأسباب تنظيمية"، بحسب مصادر الحكومة، قبل أن تتعرض لضربة قوية بتصريحات خليفة الغويل خلال ترؤسه مجلس الوزراء.
فقد طالبت حكومة طرابلس، الأمم المتحدة "بفتح تحقيق في سلوك مبعوثها في ليبيا". واعتبر الغويل في اجتماع مجلس الوزراء الذي انعقد، ظهر أمس الأربعاء، أن المبعوث الأممي يدير الأزمة الليبية بطريقة لا تمت بصلة للوضع في ليبيا، وأن البعثة الأممية في ليبيا أدارت اجتماعات الصخيرات بطريقة الإقصاء. وأضاف الغويل أن المبعوث الأممي "هدد الشعب الليبي بالفوضى والانهيار الاقتصادي"، معتبراً أن كوبلر عمّق الجراح الليبية بدور "سلبي جداً".
وبحسب ما نقلته قناة ليبية، فإن الغويل اعتبر أن "كوبلر تدخّل في شؤون البرلمان بأخذه قائمة لتمرير الحكومة المقترحة، ونقل اجتماعات لجنة الدستور إلى سلطنة عمان، وهو الأمر السلبي". وشدّد الغويل على أن "تصرفات كوبلر تفقد الجميع الثقة في المنظمة الأممية، وأن حثّه المجلس الرئاسي على الدخول إلى العاصمة محاولة لطمس ثورة فبراير". كما طالب الغويل رئيس حكومة "الوفاق" فائز السراج بالعودة إلى البرلمان باعتباره عضواً فيه، مشدداً على أن حكومة طرابلس تستمد شرعيتها من المؤتمر الوطني العام الممثل الشرعي لليبيين، محمّلاً المجتمع الدولي مسؤولية ما يحدث وسيحدث في البلاد.
ويبدو هذا الموقف غريباً بعد تأكيدات رئيس المؤتمر الوطني العام، نوري أبوسهمين، أن رئاسة حكومة طرابلس وافقت على لقاء كوبلر، أمس الأربعاء، في طرابلس عقب طلب معلّق منذ أسبوعين. وأعلن أبوسهمين في حوار لقناة ليبية، "أننا ما زلنا معترضين على من وقع الاتفاق ونحن لسنا طرفاً في أي تسليم وتسلم"، مضيفاً: "ما زلنا نعمل من طرابلس ونعقد جلسات رسمية وما يُتداول عن خروجنا مجرد حملات مغرضة".
وكانت حكومة طرابلس نفت في بيان رسمي لها، ما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن شروعها في إجراءات التسليم والتسلّم لحكومة "الوفاق الوطني"، مؤكدة أنها لن تسلّم إلا لحكومة وفاق وطني حقيقي نابعة من إرادة الشعب الليبي ومنطلقة من ثوابت ثورة فبراير وتحترم الإعلان الدستوري. وأضافت الحكومة أن "التأجيج الإعلامي الذي تقوده جهات غير معترف بها محلياً، هو مجرد شائعات لا تدل إلا على إفلاسها السياسي والإعلامي".
اقرأ أيضاً: لقاء الفرصة الأخيرة: جوار ليبيا يدعم السراج لتجنّب التدخّل
ويبدو هذا الموقف مؤشراً على الرفض الذي قد تواجهه حكومة السراج في مساعيها التوجّه إلى طرابلس، وبداية مرحلة اختبار كل طرف لموقف الآخر. غير أن الاختبار الحقيقي سيكون أمنياً بالأساس، وسيدور حول حجم القوى الموالية لهذا الطرف أو ذاك، بالإضافة إلى الزخم الشعبي الذي قد يكون حاسماً في تغليب الموقف على الأرض، إذا ما استطاع الليبيون الخروج عن صمتهم والتعبير عن موقفهم. ويراهن كوبلر والسراج بقوة على هذا العامل، خصوصاً بعد تأكيدهما، أول من أمس، أن الغالبية الساحقة من الليبيين تؤيد حكومة "الوفاق".
وتبدو بعض المعارك الجانبية المسلحة التي شهدتها طرابلس، خلال الأيام الماضية، مؤشراً على إمكانية تعقد الوضع، وعلى الانقسامات الواضحة حول هذا الوضع. وتعرّض منزل مدير إدارة الأمن الدبلوماسي فرج السويحلي، في منطقة عين زارة بالعاصمة، لهجوم أول من أمس من عناصر مسلّحة باستهدافه بقنابل "آر بي جي"، فيما هاجمت مجموعات مسلحة منطقة الطويبية. وكان السراج قد تحدث عن تجهيز قوة من الجيش والشرطة ستكون في استقبال المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" في العاصمة طرابلس خلال أيام، وأنه تواصل مع مديرية أمن طرابلس وجرى تكليف قوة من الجيش والشرطة لحماية الحكومة.
وتضاربت المعلومات والتصريحات حول وجود تنسيق بين بعض الكتاب العسكرية، واللجنة المؤقتة لتسيير الترتيبات الأمنية بحكومة السراج. ففيما نفى بعض قادة الفصائل تواصلهم مع اللجنة، أكد آخرون من مصراتة وجود تواصل مع هذه اللجنة من أجل تأمين العاصمة طرابلس. وتعكس هذه المواقف المختلفة حجم الانقسامات الموجودة في الغرب الليبي.
سياسياً، التقى المجلس الرئاسي (منقوصاً من عضوين هما علي القطراني وعمر الأسود)، النائب الأول لرئيس برلمان طبرق امحمد شعيب والنائب الثاني احميد حومة. وأكد النائبان "دعم أغلبية مجلس النواب للمجلس الرئاسي وحكومته"، مطالبين المجلس الرئاسي "بالمضي قدماً في ممارسة مهامه عبر الإسراع في العودة إلى طرابلس، ومعالجة احتياجات المواطنين والتخفيف من معاناتهم".
من جهته، جدّد المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" التأكيد على أن ذهابه إلى طرابلس سيكون خلال الأيام القليلة المقبلة، معلناً أنه سيبذل كل جهده لمعالجة المشاكل الإنسانية والأمنية والمالية والاقتصادية بما يخفف على المواطن، معبراً عن أملهم في "أن يبذل كل مواطن جهده لكي تتمكن الحكومة من القيام بعملها". لكن وزير الدولة المنسحب من المجلس الرئاسي، عمر الأسود، أكد أنه لن يعود إلى مقعده في المجلس "إلا عند تصحيح مسار المجلس في توجهاته وطريقة عمله واعتماد منهج الشفافية في أدائه، كي يتماشى مع روح الوفاق". وقال في رسالة إلى السراج تناقلتها وسائل إعلام ليبية: "إن ما تقومون به من حلول لا يستند إلى أسس ولا يحتكم إلى واقع، ونعلم أنه سيتبخر في أول مواجهة لفرض هيبة الدولة لتجد وضعاً أكثر تأزماً".
اقرأ أيضاً: دول الجوار الليبي تدفع حكومة السراج إلى طرابلس