بات الطريق الدائري الذي يربط محافظات القاهرة الكبرى، القاهرة والجيزة والقليوبية، مكاناً للفوضى اليومية، بداية من انتشار سرقة المواطنين علناً أمام الجميع تحت تهديد السلاح وارتكاب أسوأ الجرائم، ليصل الأمر إلى انتحال صفة ضباط شرطة، مروراً بالحوادث المرورية التي باتت تشكل خطورة كبيرة على المواطنين، نتيجة تعدد العيوب الفنية فيه، وصولاً إلى أكوام النفايات المنتشرة على جانبيه.
وكشف عدد من المنظمات الحقوقية في مصر أنّ الطريق الدائري تعرض إلى أزمات خطيرة خلال الأيام الماضية، بالتزامن مع عودة التظاهرات التي تطالب برحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي، في القاهرة الكبرى والمحافظات، واهتمام أجهزة الأمن بالأمن السياسي على حساب الأمن الجنائي، وهو ما أدى إلى تزايد أعمال الجريمة والعنف خلال هذه الأيام، مستغلة الفلتان الأمني. أشارت المنظمات إلى أنّ عشرات من البلاغات تقدم بها مواطنون لتعرضهم للسرقة في الطريق الدائري، سواء في أوقات النهار أو الليل، ووصل الأمر إلى إجبار سيدات على نزع مجوهراتهن تحت التهديد، من دون تحرك من الجهات الأمنية المسؤولة.
الطريق الدائري الذي جرى الانتهاء منه بالكامل عام 2005، يصل طوله إلى 100 كيلومتر، وتعبره يومياً آلاف السيارات، لكنّه بات مأوى لعناصر إجرامية، وطريقاً محفوفاً بالمخاطر، ومع قلة المحاور الجانبية للعودة في الاتجاه المعاكس، يشهد حالة من تكدس السيارات مع وقوع حوادث مرورية، وهو ما يؤدي إلى تعطل مروري كامل. وهناك على جانبي الطريق "نصبات" (بسطات) شاي ومواقف عشوائية، وأكشاك بقالة، وأصوات صاخبة، وازدحام خانق بصفة يومية.
في هذا الوضع، يدفع مئات المصريين حياتهم في الطريق الدائري، فبحسب الإحصائية الأخيرة الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الذي أرجع السبب الرئيس لحوادث الطرقات إلى العنصر البشري بنسبة 76 في المائة، بلغ إجمالي حوادث الطرقات العام الماضي 8480 حادثة، نتج عنها 3087 قتيلاً، و11 ألفاً و803 مصابين، و13 ألفاً و441 مركبة تالفة، وجاء نصيب الطريق الدائري الأعلى في تلك الحوادث.
من جهتهم، يكشف مئات المواطنين ممن يقودون سيارات عبر الطريق الدائري إلى أعمالهم ومصالحهم، عن تعرضهم لحوادث سرقة يومية، بل من الممكن أن يصاب المواطن بجروح خطيرة من قِبل أفراد العصابة، ويصل الأمر إلى حد إزهاق أرواح الأبرياء من أجل السرقة. يقول عبد الله محمود، وهو مقاول، إنّه يودع أسرته كلّ يوم خوفاً من العودة "جثة هامدة"، فهناك من يوقف الأهالي لسرقتهم، أو سرقة السيارات بطرق مختلفة وحِيل غريبة لا يجري اكتشافها إلّا بعد انتهاء العملية. يضيف أنّ بعض البلطجية يوقفون السيارات في الطريق الدائري بالادعاء أنّهم ركاب، وخلال ثوانٍ يشهرون السلاح الأبيض في وجوه الركاب لسرقة ما معهم من أموال وهواتف محمولة ومجوهرات. يشير إلى أنّ العمليات ازدادت جداً في ليلتي الخميس والجمعة الماضيتين بالتزامن مع تجدد الأحداث الثورية في البلاد، والتي أدت إلى حالة من الفلتان الأمني.
في السياق، يؤكد محمد عوض، وهو أحد المترددين على الطريق الدائري، أنّ تشكيلات عصابية متعددة تحتله، وتجري سرقة السيارات وتقطيعها إلى أجزاء لبيعها لأصحاب الورش. ويتهم خالد حسن سائقي الأجرة بالاتفاق مع البلطجية، وتقاسم المسروقات معهم: "كثيراً ما نتعرض لتلك المواقف مع سائقين لا نجد منهم أيّ مقاومة للبلطجية". يشير إلى أنّ الطريق الدائري يخيّم عليه الظلام، ولا نقاط أمنية عليه، في ظل انتشار العمليات الإرهابية التي تستهدف الشرطة، ووقوف البلطجية في كمائن الشرطة، بعدما باتت خالية معظم الوقت، خصوصاً في فترات الليل حيث تقع معظم الحوادث. أمّا حسن بكري، وهو موظف، فيقول إنّ ما يحدث في الطريق الدائري، من سرقة وبلطجة، يعكس حالة الفوضى التي تعيشها البلاد، رافضاً ما تردد عن انتشار الأمن والأمان. يقول إنّ البعض يصاب بحالة من الهلع وهناك من تكون أسرته معه ويتعرض للانتهاكات، ويجري تقديم البلاغات، لكن من دون تحرك من الجهات الأمنية، خوفاً على حياتهم وسلامتهم الشخصية.
يعاني السائقون يومياً من الطريق الدائري، التي من بينها الحوادث وانهيار أجزاء منه، بحسب محمود علي، وهو سائق ميكروباص يعمل في الطريق الدائري ما بين "السلام والمحور". ويشير إلى أنّ هناك "مضايقات كثيرة لنا شخصياً كسائقين من قبل البلطجية، أقلها الحصول على إتاوات". وبالنسبة إلى غريب شكري، وهو سائق في إحدى الشركات، فهو يتّهم هيئة الطرقات والكباري بعدم الاهتمام بالطريق الدائري، مؤكداً أنّ الطريق يُدخل يومياً الآلاف من الجنيهات عبر ما يسمى بـ"الكارتة"، متسائلاً: "أين تذهب تلك الأموال اليومية؟"، ومشيراً إلى أنّ "الطريق صار الأسوأ خلال السنوات الأخيرة. وبالإضافة إلى الحوادث، يستغل الأهالي حالة الفوضى على الطريق، ويلقون القمامة على جانبيه، ما يتسبب بدوره بإعاقة الحركة المرورية".