طبيبة مغربية تنقذ مستشفى حكومياً

20 يناير 2017
لم تنتظر التغيير بل بادرت إليه (عصام خويا)
+ الخط -
سجلت الطبيبة المغربية نوال الكاسمي نجاحاً إنسانياً، إذ بادرت بنفسها لإجراءات من شأنها إنقاذ أطفال مدينة زاكورة

أصبح أطفال مدينة زاكورة الآن ينعمون برعاية صحية أفضل، ولا يحتاج أهاليهم إلى السفر بهم طويلاً وصولاً إلى ورزازات أو مراكش من أجل علاجهم، إلّا في ما يتعلق بحالات عصيّة. كلّ ذلك بفضل طبيبة مغربية.

اليوم الأول الذي وصلت فيه الطبيبة نوال الكاسمي من مراكش إلى المستشفى الحكومي بزاكورة، جنوب المغرب، أصيبت فيه بالصدمة. جدران المستشفى الملّونة بالأزرق والأبيض والأخضر بعثت فيها الخوف والاكتئاب، وهي التي اعتادت العمل خلال دراستها في مستشفى أنيق ومجهز بالإمكانات والأدوات التي تعزز من شعورها بأهمية اختصاصها. قسم الأطفال في المستشفى لا يعمل. وجدته فارغاً من الأطباء والممرضين وحتى من الأسرّة. كان بجدران متسخة فقط. ما العمل إذاً؟ هل ستمضي الطبيبة حياتها في مكان بعيد عن مدينتها المنفتحة لتدفن سنوات دراسية ومهارات وعمراً في مثل هذا المكان؟ هرب أطباء كثيرون سابقاً ومات مواليد ورضّع لأنّ المستشفى لم يوفّر لهم الأدوات اللازمة والبيئة المناسبة للعلاج، أو ماتوا في الطريق إلى ورزازات أو مراكش بحثاً عن العلاج المفقود في زاكورة.




لم تستسلم الكاسمي، بل سرعان ما طلبت من إدارة المستشفى أن تمهلها بعض الوقت كي تُصلح القسم من جديد بطريقة توفر لها الجوّ الملائم لممارسة مهنتها، والجوّ المرح المناسب لاستقبال الأطفال لعلاجهم مع مراعاة صحتهم النفسية أيضاً.

"مكان عملك هو أيضاً بيتك". هذه هي القاعدة التي يبدو أنّ الطبيبة اعتمدتها في ظلّ الإهمال الذي طاول قسماً أساسياً في المستشفى الحكومي. تقول: "الماء لم يكن متوفراً بالشكل المطلوب في المستشفى، خصوصاً أنّه شحيح في المدينة بأكملها". بدأت يومها في جمع المساعدات المادية والعينية من صديقاتها والأطباء الذين شاركوها الدراسة في الجامعة ممن يعملون في زاكورة، من أجل طلاء الجدران بألوان ملائمة لوضع الأطفال النفسي وصحتهم. ثم استشارت الأطفال وأمهاتهم حول أكثر الشخصيات الكرتونية تأثيراً بهم وتفضيلاً، وطلبت من رسام تصويرها على الجدران. بعد ذلك جهزت المكان بمجموعة من الألعاب المتنوعة، وطلبت أسرّة للأطفال المرضى. كذلك، زيّنت غرفة الولادة، وطلبت من الإدارة أن تمدّها بمجموعة من الممرضات. بذلك، وصل عدد الممرضات والطبيبات العاملات حالياً في القسم إلى ثمانٍ. أيضاً، مدّت القسم بالماء اللازم وبمكيّف هوائي ضروري لدرجات الحرارة المرتفعة صيفاً، والتي تلامس الخمسين مئوية.

بالإضافة إلى ذلك، أمّنت عبر وزارة الصحة سيارة إسعاف، بعد علم الوزارة بمبادرتها. كذلك، أمدّتها الوزارة بأدوات ومستلزمات طبية مثل حواضن الخدّج. مع ذلك، ما زالت تحتاج إلى حواضن إضافية وأجهزة طبية ثمينة، ومختبر تحليل. فمثل هذه التجهيزات لو توفرت لن تضطر من يحتاجها من المرضى إلى الذهاب في رحلة طويلة إلى ورزازات.

زاكورة المدينة الصغيرة والهادئة والمحافظة تحتاج إلى الكثير من أجل النهوض طبياً حتى تكفّ عن حاجتها إلى جاراتها المدن الأخرى. وتعتبر مبادرة الكاسمي أولى الخطوات نحو تحسين القطاع الطبي في المدينة. فهي استطاعت بمساعدة أصدقائها الأطباء والمحسنين ممن وثقوا بها، خصوصاً أنّها طبيبة لا تبغي الربح الشخصي، أن تقود حركة تغيير في هذا الاتجاه. وبعدما اكتمل التغيير في المستشفى في مراحله الأولى، تقول لـ"العربي الجديد" إنّ غرف الأطفال اليوم باتت مهربها الوحيد الذي تمضي فيه أوقاتها. مع ذلك، تأمل الطبيبة ألاّ يقتصر القسم على طبّ الأطفال فقط، بل على الجراحة التي ما زال الأهالي يسافرون من أجل إجرائها في مراكش.





ومع انشغالها بالمبادرة، لم تنتبه الكاسمي إلى أنّ ما قامت به قد وصل صداه إلى كلّ أنحاء المغرب. ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في نشر قصتها وانشغال الألسن بالتغيير المذهل الذي حققته. وهو ما دفع بعض الإذاعات المحلية إلى وضعها على قائمة أكثر الشخصيات تأثيراً في المجتمع المغربي. وبالفعل، نالت المرتبة الثانية بعد الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة المغربية الحالية عبد الإله بنكيران. لكنّ ردّ وزارة الصحة بعد هذا الاستبيان اقتصر على رسالة تشجيع وشكر لجهودها وبأنّ الوزارة ستستجيب لمساعدتها في طلباتها المقبلة مثلما ساعدتها سابقاً بسيارة الإسعاف والأدوات الطبية.

أهمية الكاسمي تنبع في كونها من النساء أو الأطبّاء القلائل الذين حاولوا الصمود في أماكن نائية واتخذوا التغيير دفّة لهم من دون انتظار مجيئه من أطراف أخرى. وهي بذلك نموذج للنساء المغربيات المناضلات من أجل بلادهنّ كما يرى كثيرون.