مع اقتراب عيد الأضحى واستعداد العائلات التونسية لشراء أضاحي العيد، تواترت أنباء في بعض الجهات تفيد بإصابة بعض الماشية بالطاعون، الأمر الذي أثار مخاوف المربّين والمستهلكين الذين لا يعون طبيعة الطاعون وإن كان يهدّد صحة الإنسان أم لا. هكذا، أصبحت كلمة طاعون الأكثر تداولاً بين الناس اليوم، خصوصاً في أسواق المواشي.
سُجّلت أولى الإصابات في محافظة نابل (شمال) مع نفوق 50 رأساً من الأغنام والماعز، وفق ما صرّح رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة في الجهة بشير بن عون. وقد أوضح أنّ ذلك بدأ منذ شهر يوليو/ تموز الماضي، أمّا السبب الأساس فاستهلاك مياه الآبار الملوّثة. لكنّ المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية في نابل، نفت ذلك مؤكدة سلامة القطيع، مشيرة إلى أنّها كلّفت فرق بياطرة وفنيين بزيارات ميدانية ومعاينة القطيع في هذه المنطقة.
من جهتها، أعلنت وزارة الفلاحة أنّ الإدارة العامة للمصالح البيطرية سجّلت في الآونة الأخيرة بعض إصابات بالطاعون في قطعان الماشية والماعز. وأشارت إلى أنّ مصالحها سجّلت حالات مرض في 22 قطيعاً مؤلفاً من ثلاثة آلاف و482 رأساً من الأغنام والماعز، مضيفة أنّ عدد الرؤوس النافقة لم يتجاوز 55 رأساً في مقابل 77 رأساً سُجّلت خلال شهرَي يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز 2012. وقد شدّدت الوزارة على أنّ الوضع عاديّ وتحت السيطرة.
إلى ذلك، بيّنت الوزارة أنّ الإدارة العامة للمصالح البيطرية في وزارة الفلاحة، بادرت منذ عام 2006 وقبل بلوغ المرض تونس، إلى إنشاء شبكة مراقبة صحية مستمرة لطاعون المجترّات الصغرى أي الأغنام والماعز في كل أنحاء البلاد، بالإضافة إلى أخرى في أسواق الدواب والمسالخ.
ويوضح رئيس دائرة الإنتاج الحيواني في المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية في محافظة قفصة (جنوب) لطفي حمدي أنّ "لا خوف من خطر انتقال الطاعون إلى القطعان الأخرى، ولا خوف من انتقال العدوى من الحيوان المصاب إلى الإنسان". ويستبعد تسجيل حالات نفوق كثيرة القطيع، "نظراً للمناعة المكتسبة". إلى ذلك، يستغرب مخاوف التونسيين على الرغم من أنّ الأمر ليس جديداً في تونس، وكانت إصابات قد رُصدت في عام 2008 كما الحال في المغرب والجزائر وليبيا وبعض الدول الأخرى.
مجيد النفاتي من مربّي المواشي، يشير بدوره إلى أنّ "الطاعون ليس جديداً في تونس، وهو أحد أبرز الآفات التي تهدّد تربية الماشية وتثير مخاوف الفلاحين منذ سنوات، خصوصاً في المناطق التي يغيب عنها الطب البيطري وكذلك التحصين الكافي". يضيف أنّ "مربّي الماشية بأغلبيتهم، كثيراً ما يفطنون لهذا المرض. لكنّ سرعة انتشاره تتسبب في نفوق أعداد كبيرة، الأمر الذي يتطلب تدخلاً عاجلاً". ولا يستغرب مخاوف المستهلكين المقبلين على أضاحي العيد، والذين يسألونه عن تأثير الطاعون في الإنسان عند استهلاك اللحوم. من جهته، يقول محمّد رحيمي، وهو من تجّار المواشي في العاصمة تونس، إنّه يفضّل بيع ماشيته عند الطلب من دون عرضها في السوق، لتجنّب اختلاطها بقطعان مواشٍ من جهات أخرى، مخافة التقاطها العدوى وبالتالي تهديد باقي القطيع.
في سياق متصل، فإنّ مخاوف المستهلك التونسي من انتقال العدوى إليه عبر استهلاك اللحوم، دفعت بالمصالح البيطرية المركزية إلى تأكيد عدم انتقال المرض من الماشية إلى الإنسان سواء عبر الاختلاط أو عبر استهلاك اللحوم. كذلك أصدرت كل دوائر الإنتاج الفلاحي في الجهات بلاغات تؤكد فيها سلامة المواشي في المناطق الخاضعة لها. مع ذلك، لم يخفِ أحمد (مواطن) مخاوفه من المرض أو من شراء خروف مصاب قبل أيام من العيد، مشيراً إلى أنّه فضّل عدم الذهاب إلى السوق والاستعانة ببعض من هم محلّ ثقة ليوفّروا له أضحية العيد. أمّا سمير المناعي، فيلفت إلى أنّ مواشي كثيرة تهرب من ليبيا أو إليها، حيث ينتشر المرض. وهذا ما يثير أكثر مخاوف المستهلك إزاء شراء أضحية العيد هذا العام. يضيف ساخراً: "قد يُفاجأ التونسي الذي استدان لشراء خروف بنفوق الأضحية قبل الأوان".
تجدر الإشارة إلى أنّ الوحدات الأمنية أحبطت عمليات تهريب مواش كثيرة خلال السنوات الأخيرة، سواء من تونس إلى ليبيا والجزائر أو العكس. وهو ما يثير المخاوف أكثر من اختلاط القطعان وانتقال العدوى من الخارج، لا سيما وأنّ دائرة الإنتاج الحيواني في المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية في محافظة قفصة أكّدت وجود المرض في كلّ من ليبيا والجزائر والمغرب.
إلى ذلك، استغرب الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري إثارة موضوع الطاعون لدى "المجترّات الصغرى" وما يطرحه من تهديد ومخاطر اقتصادية، قبيل عيد الأضحى. ويرى في ذلك عملاً مفتعلاً بهدف الضغط على الأسعار وضرب مصالح المربّين وما إلى ذلك.