يرى الشعب العراقي بمختلف طوائفه، أنّ الشحن الطائفي، الذي ولد عقب الاحتلال في 2003، مصطنع ودخيل على البلاد، فمع دخول القوات الأميركية، ومجيء القادة السياسيين الحاليين، انتشرت ظاهرة الأحزاب الدينية والطائفية على نحو كبير، كما هو الحال اليوم.
العراقي أبو محمد (59 عاما) تقطعت به السبل ولم يجد ما يعينه على نوائب الدهر ومصائبه، هجر منزله في الرمادي عقب سقوطها بيد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مع عائلته المكونة من ثمانية أفراد؛ لم يعرف أين يذهب بهم، فتوجّه إلى كربلاء.
بعد وصوله، وخلال مروره بأحد الشوارع، شاهد شاحنة متوقفة بجانب الطريق، نظر إلى لوحتها وعرف قصة الشاحنة، فتوجه بالسؤال لأحد الجالسين قربها: أليست هذه الشاحنة لأبو حيدر؟ فقال الرجل نعم "منو حضرتك؟"، فقال إنَّ لهذه الشاحنة قصة مع صديقي الذي أعادها لصاحبها الكربلائي بعد أن فقد الأمل، فعرفتها من لوحتها.
كان أبو حيدر على مقربة فسمع ما دار بينهما وبادر بسؤال أبو محمد: هل تعرف أبو مصطفى؟ فقال: نعم إنهُ صديق عمري، فاحتضنه أبو حيدر وأجهش بالبكاء.
يقول أبو حيدر (56 عاما) لـ"العربي الجديد" "كان لي أصدقاء كثر في الأنبار وكنت أزورهم بين الحين والآخر لبعض الأعمال، وكانت لي شاحنة كبيرة وضعتها في أحد معارض السيارات لدى صديقي الوفي أبو مصطفى، وكان ذلك قبل أزمة الأنبار بأيامٍ قليلة، فحين حصلت الأحداث لم يكن بمقدوري الذهاب إلى الأنبار بسبب العمليات العسكرية، وخطورة الطرق وانقطاعها لاستعادة الشاحنة".
ويضيف "كانت شاحنتي كل ما أملك، وقد قطعت الأمل من استعادتها وقلت ربما سأخسرها وأخسر كل ما جمعته من مال لشرائها، وكنت أتواصل مع صديقي أبو مصطفى، فيقول لي في كل مرة "لا تاكل هم، ستصلك الشاحنة إلى بيتك"، وكنت أقول هذا مستحيل، فكيف سيستطيع "أبو مصطفى" إخراج الشاحنة وإيصالها في هذه الظروف الخطيرة القاسية".
ويتابع "وذات يوم غفوت مهموما حزينا حين طرق الباب، فخرجت وإذا بالشاحنة أمام باب الدار ويقف قربها رجل لا أعرفه، فقال لي: أبو حيدر هذه شاحنتك وأبو مصطفى يبلغك والتحية والسلام".
أبو حيدر لم يسمح لصديق صديقه القديم الوفي كما يقول، بأن يستأجر منزلاً بل قسم منزله وأسكن صديقه الجديد أبو محمد.
عائلة أبو حيدر من جانبها، استقبلت النازح أبو محمد وعائلته، وفاءً لصديق العائلة القديم أبو مصطفى الذي خاطر بحياته ليوصل الأمانة إلى صاحبها الكربلائي، كما يقول أبو حيدر.
من جانبه، يقول أبو محمد "شعرت بالدهشة حين استقبلني أبو حيدر بالأحضان والبكاء لأني صديق صديقه الذي أعاد له الشاحنة وخاطر بنفسه، وعرفت حينها أنَّ المعدن العراقي العروبي الأصيل لا يمكن أن يصدأ، مهما تكالبت عليه الظروف ومهما حشد السياسيون وطبّلوا وزمّروا للطائفية المقيتة التي أدخلت البلاد والعباد في مأساة مؤلمة".
اقرأ أيضا:كربلاء والأنبار.. نسيج يقاوم الطائفية السياسية