طائر اللقلق... ضيفٌ مُدلّل في شمال تونس

04 يوليو 2020
طائر اللقلق يجلب الحظ بالنسبة لأهالي شمال تونس (بستامي بودروك/ الأناضول)
+ الخط -

تؤوي الشركة التونسية للكهرباء والغاز سنوياً آلاف طيور اللقلق المهاجرة في شمال تونس، وتعدّ لها الأعشاش وتهيّئ لها الظروف المناسبة للإقامة لمدة ستة أشهر. ويأتي طائر اللقلق مع بداية شهر مارس/ آذار إلى محافظات الشمال التونسي، قادماً من دول جنوب الصحراء بحثاً عن مناخ ملائم للتكاثر.

ويتّخذ طائر اللقلق أو "البلّارج" كما يسمى محلياً، من المرتفعات والمآذن وأعمدة الكهرباء سكناً له. وتشترك أزواج اللقلق في بناء أعشاشها من الأعشاب والأغصان الجافة على شكل دائري، ما يسمح لها بوضع بيضها ورعاية صغارها بأمان بعيداً عن الأيادي التي تعبث بها.

ولأنّ طائر اللقلق أصبح جزءاً من المشهد العام لمدن شمال تونس، باتت الشركة التونسية للكهرباء والغاز تولي هذا الطائر عناية خاصة، على الرغم مما يلحقه من أذى بتجهيزاتها، يصل أحياناً إلى قطع التيار الكهربائي عن السكان. وتتولى الشركة إيواء الطائر المهاجر الذي يعود سنوياً إلى موطنه الربيعي ليجد في انتظاره عارضات حديدية وضعتها على أعمدة الكهرباء، حيث تبني الطيور أعشاشها بسهولة من دون إلحاق الضرر بمعدات الكهرباء وشبكات التيار ذات التوتر العالي.

يشار إلى أن الاستعداد لاستقبال طائر "البلّارج" يندرج ضمن أعمال الصيانة السنوية الدورية التي تقوم بها الشركة التونسية للكهرباء والغاز. وسنوياً، تزيد الشركة عدد العارضات المعدنية التي يضعها فنيّو المؤسسة على أعمدة الكهرباء. وتبني الشركة أعشاشاً اصطناعية منسوجة من أسلاك حديدية رفيعة، تقوم الطيور لاحقاً بإكسائها بالأغصان حتى تصبح جاهزة لاحتضان البيض وصغار اللقالق.

موقف
التحديثات الحية

ويتحدث منذر المديني (فنّي في الشركة التونسية للكهرباء والغاز)، عما يتمتع به طائر اللقلق لدى مؤسسته، مشيراً إلى أن احتضان الطيور في أعشاش اصطناعية بدأ عام 2009 بمبادرة من زملاء له في فرع الشركة في محافظة باجة (شمال غربي البلاد)، لتمتد لاحقاً إلى بقية المحافظات التي تحل فيها البلّارج ضيفاً ربيعياً له مكانته.

ويقول المديني لـ "العربي الجديد" إنه قبل عام 2009، كان انقطاع الكهرباء يتكرر بسبب ما تحدثه الطيور في الأسلاك نتيجة بناء أعشاشها بطرق عشوائية، ما أدى إلى وفاة صغارها لدى سقوط الأعشاش أثناء إصلاح الأعطاب نتيجة سقوط المطر.

يضيف أن عودة اللقلق إلى موطنه الربيعي كل عام ولّدت بينه وبين فنيي الشركة التونسية للكهرباء والغاز نوعاً من الألفة، جعلهم يفكرون بوسائل لحمايته كمصدر للتنوع البيولوجي في منطقتهم، ومنها جاءت فكرة تركيز العارضات الحديدية على أعمدة الكهرباء لتسهيل مهمة الطيور في بناء أعشاشها. ويشير إلى أن ھذا الطائر يتسبب في انقطاع متكرر للتيار الكهربائي في مرحلة بناء الأعشاش على الأعمدة التي تحمل أسلاكاً ناقلة للكهرباء من فئة التوتر العالي.

وتُفيد بيانات للشركة التونسية للكهرباء والغاز بأنّها خصّصت ما قيمته 113 ألف دينار لوضع 61 غلافاً عازلاً بين شبكات الأبراج الكهربائية وأعشاش اللقلق. كما ذكرت أن انقطاع الكهرباء هو نتيجة مشاكل فنية وسرقة الأسلاك وعوامل طبیعیة. كما تشكّل أعشاش اللقلق نحو 50 في المائة من الأسباب.

على المقلب الآخر، يستبشر سكان باجة بطائر اللقلق ويستمتعون بمشاهدته ويحافظون على أعشاشه ويحرصون على راحته وسلامته باعتباره مصدراً للبركة والحظ. كما أن مروره يدلّ بالنسبة إليهم على موسم زراعي جيد ومحاصيل وفيرة. كما أن طائر اللقلق يدلّ على الرخاء وجلب الحظ في محافظات الشمال، وأصبح شعاراً لإحدى مدنها (محافظة باجة) ورمزاً لفريقها الرياضي. كما يستمتع سكان المدينة بمشاهدة الطائر ذي الألوان المميزة.
ويرى أولئك الذين يستخدمون طرقات الشمال التونسي أعشاش اللقلق على أعمدة الكهرباء. وينتشر هذا الطائر الأليف على شبكات التيار الكهربائي وكأنه يحرس من حوله. 

ولطائر اللقلق مكانة مهمّة في البلدان التي يمر بها خلال رحلة هجرته. تقول الأسطورة إن طائر اللقلق أو"البلّارج" أو "الحاج قاسم" كان رجلاً ورعاً. وكان اسمه "الحاج قاسم" قبل أن يمسخ إلى طائر. تضيف أنه توضأ باللبن فمسخه الله إلى لقلق. وقيل إنه سمّي بالحاج قاسم لأنه كان إذا رأى قوافل الحجاج رافقهم وأنس بهم، واقترب منهم بلا خوف فأطلقوا عليه لقب الحاج قاسم. 

إضافة إلى الرعاية التي توفرها له الشركة التونسية للكهرباء والغاز، تتدخل الجمعيات البيئية لحماية اللقلق من الصيادين، باعتبار أنه لا يجوز صيده. كما يعدّ من أوفى الطيور المهاجرة التي تعود سنوياً إلى أوكارها وتسلك الطريق ذاته في رحلتها.
وأثناء هجرته، يُحلّق اللقلق بشكل جماعي على شكل أسراب كبيرة. وعادة ما يلفت الانتباه ويكون تحليقه بشكل منتظم، فيظهر كأنه حبل مسترسل طويل في السماء.

المساهمون