العديد من السوريين الذين ولدوا في ثمانينيات القرن الماضي، لم ينجحوا في تحقيق مسار حياة حلموا به بسبب الحرب، لكنهم مستمرون
في عام 2011، ومع اندلاع الثورة في سورية، لم يتصوّر حمزة عامر (31 عاماً)، ألا يكون قادراً على التخرج من الجامعة ومتابعة مسيرة الحياة التي كان يحلم بها. التظاهرات وصيحات الحرية كانت تشدّه، ولم يكن يبالي بالمخاطر التي قد تعترضه خلال طريقه من ريف حمص الشمالي إلى جامعة البعث في مدينة حمص.
يتحدث عامر لـ"العربي الجديد"، عن فترة ما بعد الجامعة. يقول: "كنت كغيري من طلاب كلية العلوم في الجامعة نخطط للبحث عن عمل بعد التخرج، ثم الزواج وتكوين أسرة وعيش الحياة بتفاصيلها. حين اندلعت الثورة، كنت في السنة الثالثة. لم أتوقع أن نصل لما وصلنا إليه، ولم أعد قادراً على الذهاب إلى الجامعة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. الخوف من الاعتقال كان هاجساً يلاحقني، خصوصاً بعد إيقافي عند حاجز نزار قباني في مدينة حمص. مضت الدقائق علي كأنها أسابيع، وكنت شبه متيقن من أنني قد أعتقل، لكن قدر لي أن يكون تحقيقاً سريعاً لأدرك أنه لم يعد لدي مجال للمرور عبر أي حاجز للنظام".
زاد انتماء عامر للثورة بعد هذا الموقف. يقول: "شعرت بالحيرة. كنت أظن أنها أيام أو أشهر ويسقط النظام وأعود إلى جامعتي. لكن حدث العكس وتركت الجامعة وتحولت على غرار الكثير من الأصدقاء إلى ناشط. ومنذ ثلاثة أعوام، وقبل تهجيرنا من ريف حمص الشمالي إلى إدلب، تزوجت وصرت أباً لطفلين. لم أتخيل يوماً أن يولدا في ظروف كهذه. لكن في النهاية، يجب تعويض ما ضاع منا".
إيمان (33 عاماً)، خسرت جامعتها وطموحها وأُرغمت على ترك كلية الهندسة. تقول لـ"العربي الجديد": "الآن أعيش في تركيا بعدما لجأت إليها مع عائلتي. تزوجت وأصبحت لديّ أسرة، وأطفالي هم شغلي الشاغل". تتابع: "أقارن حياتي الحالية بما كنت أخطط له في السابق. أشعر بصعوبة الحياة وقسوتها اليوم". تتمنى لو أنها تخرجت من الجامعة ووجدت وظيفة وخططت لحياتها كما تريد. لكنها اليوم، تعاني لتأمين بدل إيجار البيت ومصاريف الأطفال، عدا عن البعد عن الأهل والأقارب. "كلّ ما يمكن قوله إننا نحن أبناء جيل الثمانينيات ضعنا".
أحمد مصطفى (37 عاماً)، من ريف إدلب الجنوبي، خسر بيته أخيراً من جراء القصف. تحدث عن المرحلة التي بدأ فيها مسيرة حياته. يقول: "مع بداية الثورة، كنت قد تزوجت حديثاً وقد أنهيت بناء منزلي واستعديت لترك بيت العائلة والسكن فيه. كانت أياماً جميلة، وقد شهدت على بناء البيت حجراً على حجر. كنت حينها أخطط لغرس الأشجار في المحيط".
يضيف مصطفى لـ"العربي الجديد": "انتقلت إلى منزلي قبل عشرة أعوام تماماً. كان شعوري لا يوصف. فبناء منزل والزواج يعدّان من أهم إنجازات أيّ شاب في سورية. سكنت في المنزل ثلاثة أعوام فقط، وقد احتفظت بصور لابنتي في المنزل. اليوم، أصبح منزلي أنقاضاً. كنتُ أتمنى أن تكون لي ذكريات أكثر فيه، وأن أمضي وعائلتي وقتاً أطول. حين غادرته نازحاً، شعرت بظلم وحرقة حتى اليوم".
كثير من الشبان سلكوا طريقاً شاقاً لهم في الحياة. ويقول سامر عبد الرحمن (32 عاماً)، إن الشاب يعمل منذ ستة أعوام في لبنان في مجال البناء، مجبراً على التنقل بين مدينة طرابلس والعاصمة بيروت، فقد رزق بطفلته الأولى قبل خمسة أشهر، ويترقب يوم عطلته من العمل ليكون بقربها.
عبد الرحمن الذي كان يطمح يوماً لتأسيس معهد خاص لتعليم اللغات في سورية بعد تخرجه من كلية الأدب العربي، يوضح لـ"العربي الجديد"، أنه ما زال يرغب في ذلك، لكنه لا يعرف إن كان ذلك ممكناً. يذكر أن أشقاءه ووالدته ما كانوا ليظنوا أنه قد يعمل يوماً. "لم أتخيل يوماً أنني قد أعمل في البناء، وأضع حزام المسامير على خصري وأمسك مطرقة وأجهز ألواح الخشب لقوالب الإسمنت. يداي فارقتا القلم منذ أعوام واليوم أصبحتا خشنتين قاسيتين بسبب العمل الشاق لكسب لقمة العيش. لكن إذا عدت إلى سورية، سأبدأ مشروعي في أي وقت كان".
من جهته، يقول محمد (36 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، إنه أسس عملاً له، إذ لم تكن لديه فرصة للتعلم. كان عمله جيداً وتنقل بين بلدان عدة، ثم خطط للاستقرار في مدينته منبج. ومع بدء المعارك، غادر المدينة وخسر كل شيء.
يقول محمد لـ"العربي الجديد": "تملّكني شعور بالرضا مع بداية تأسيس عملي في سورية، وحققت مكاسب مادية جيدة وكنت أسعى إلى التطور. لكن كل ما بنيته انتهى، كأنني كنت أحلم. اليوم، أنا لاجئ. أتمنى أن أعود إلى بلدي وأعيش في بيتي وأعود من جديد إلى عملي، فالسنوات هنا أخذت من عمري ما أخذت، ومن ينظر إلي يظنني في الخمسين من العمر".