رَضخت سلطات النظام السوري لضغوط منظمات حقوقية وأممية وغيرها، بشأن ضرورة إفساحها المجال لنقل مرضى سوريين مُحاصرين بلا علاجٍ في الغوطة الشرقية بدمشق؛ إذ نقلت سيارات إسعافٍ تابعة لـ"الهلال الأحمر السوري"، فجر الأربعاء، أول دفعة من هؤلاء الضحايا، عبر معبر مخيم الوافدين، نحو مشافٍ في دمشق، ليتم علاجهم فيها. ويأتي ذلك، بعد أن تتالت حالات وفاةِ مُصابين بأمراضٍ خطيرة، في الغوطة الشرقية، من جراء عدم توفر العلاج المطلوب لهم، نتيجة حصار قوات النظام مناطق سكنهم، ومنعها وصول الأدوية إلى مئات المرضى المُحاصرين.
وذكرت "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، عبر حسابها الرسمي في موقع "تويتر"، صباح الأربعاء، أن "متطوعي الهلال الأحمر العربي السوري قاموا، وفريق من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بإجلاء حالات طبية عاجلة من الغوطة الشرقية إلى مستشفيات دمشق"؛ في حين أكدت "الجمعية الطبية السورية الأميركية"، ليل الثلاثاء - الأربعاء، أن "عمليات الإجلاء الطبي بدأت اليوم، لـ29 حالة حرجة من المرضى، الذين سيتم نقلهم إلى دمشق"، مشيرةً إلى أن أولى الدفعات التي خرجت من الغوطة الشرقية، كانت أربع حالاتٍ تستدعي النقل الفوري للحصول على الأدوية والرعاية الطبية.
وفي وقتٍ لاحق، ذكر مدير "الجمعية الطبية السورية الأميركية"، محمد قطريب، في تغريدةٍ له بموقع "تويتر"، أن "قطر الندى، طفلة عمرها ستة أشهر، كان من المفروض إخلاؤها اليوم من الغوطة الشرقية ضمن قائمة الحالات الـ29 العاجلة. عندما تواصل الكوادر مع عائلتها وجدوا أنها توفيت قبل وصول الموافقة. هذه الشهيدة رقم 18 من أصل 641 يحتاجون الإخلاء الطبي من الغوطة الشرقية".
وذكرت مصادرُ طبية في الغوطة الشرقية لـ"العربي الجديد"، وهي على تواصل مع "الهلال الأحمر السوري"، أن عملية نقل المرضى القائمة حالياً تشمل نحو ثلاثين شخصاً، حالتهم خطرة، وأن أربعة منهم تم إخراجهم فعلاً، على أن تُستكمل العملية خلال الأيام القليلة القادمة.
ولم تعلق وسائل إعلام النظام الرسمية على عملية نقل المرضى من الغوطة الشرقية. واكتفت وكالة "سانا" بنشر خبرٍ مقتضب، نقلت فيه بيان "الهلال الأحمر"، الذي تحدّث عن أن "متطوعي الهلال بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قاموا بنقل حالات إنسانية من داخل الغوطة الشرقية إلى مشافي دمشق لتلقي العلاج"، والذي جاء فيه أن "هذه المهمة أتت بعد مفاوضات طويلة من رئيس منظمة الهلال الأحمر العربي السوري، المهندس خالد حبوباتي، ورئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، فرانشيسكو روكا".
لكن الوكالة الرسمية للنظام ختمت نفس الخبر، بقولها إن "الحكومة السورية تحرص على إنجاح مهام الهلال الأحمر العربي السوري والمنظمات الدولية، في إيصال وتقديم المساعدات إلى المناطق التي تحاصر التنظيمات الإرهابية المدنيين داخلها"، محمّلةً مسؤولية مأساة 90 ألف عائلة محاصرة في الغوطة، لقوات النظام وفصائل المعارضة في الغوطة، وهي فصائل حضرت بعضها اجتماعات "أستانة" ومفاوضات "جنيف".
وفيما تأتي عملية إجلاء بعض المرضى المصابين بالسرطان وأمراض أخرى خطيرة، من الغوطة الشرقية، بعد تصاعد نداءات منظمات حقوقية وأممية بضرورة نقلهم خارج مناطقهم المحاصرة، بعد أن توفي عددٌ منهم خلال الأسابيع القليلة الماضية، نتيجة عدم توفر العلاج، فإن معطياتٍ أخرى توضح أن العملية اكتملت غداة مفاوضاتٍ، أفضت إلى اتفاقٍ يُخرج بموجبه "جيش الإسلام" (أقوى فصائل الغوطة) بعض الأشخاص المُحتجزين لديه، مقابل سماح النظام بنقل مرضى من الغوطة إلى مستشفياتٍ في العاصمة دمشق.
فقد أعلن "جيش الإسلام" عن عقده اتفاقية مع النظام يُسلم بموجبها عدداً من "الأسرى" لديه، مقابل إخراج حالات إنسانية من الغوطة الشرقية. وقال، في بيانٍ له، "بدأت منذ أيام ترتيبات لإخراج 29 حالة إنسانية من الغوطة الشرقية، من بين الحالات الكثيرة التي يتعسر علاجها ويزداد وضعها الصحي سوءًا، في ظل حصار جائر يفرضه نظام الأسد وحلفاؤه"، مضيفاً أنه و"نظراً لتعنّت النظام، وتجاهله محاولات منظمة الهلال الأحمر والمنظمات الدولية إخراج هذه الحالات الإنسانية من دون قيد أو شرط، فقد وافقنا على إخراج عدد من الأسرى الموقوفين لدينا منذ معارك عدرا العمالية، بالإضافة إلى بعض العمال والموظفين الذين وجدناهم في سجون جبهة النصرة أثناء حملتنا للقضاء عليها، وذلك مقابل الحالات الإنسانية الأشد حرجاً من بين مئات الحالات الحرجة في الغوطة الشرقية".
من جهتها، نفت مديرية الصحة في دمشق وريفها، التابعة للحكومة السورية المؤقتة، ما تردد عن موافقة النظام السوري على إجلاء مصابي السرطان من الغوطة الشرقية. وقال المتحدث باسم المديرية، فايز عرابي، في تصريحات صحافية، إنه لا توجد أي معلومات في المديرية أو في الهلال الأحمر حتى الآن.
وبحسب مصادر طبية محلية في الغوطة الشرقية، فإن الحالات المرضية التي تحتاج إلى إخلاء في الغوطة الشرقية تفاقمت مأساتها، في الآونة الأخيرة، خاصة تلك التي تعود لأطفال تعرّضوا لإصابات حربية شديدة، فضلا عن حدوث وفيات ناجمة عن تشوهات بحاجة إلى جراحة قلب غير متوفرة في الغوطة، ووفاة كبار وصغار نتيجة إصابتهم بأمراض مزمنة لا تتوفر لها علاجات كالسرطان وغيرها.
وأوضحت المصادر أن الإمكانيات الطبية المتاحة في الغوطة الشرقية أصابها العجز بسبب الاستنزاف اليومي المستمر لها، من خلال تعمّد النظام قصف مناطق الغوطة الشرقية، الأمر الذي أسفر عن آلاف الإصابات، فضلا عن نقص الأدوية والأجهزة الطبية، نتيجة الحصار.
وإضافة إلى نقص الأدوية، هناك نقص في عدد الأطباء والكوادر الطبية، إضافة إلى انقطاع الكهرباء عن الغوطة، ما تسبب في وفاة 32 شخصا من مرضى السرطان، بينما زادت الوفيات الناجمة عن الأمراض المزمنة بسبب الحصار وسوء التغذية إلى أكثر من عشر حالات. وأدى تسجيلُ حالات وفاة لمرضى نتيجة عدم توفر العلاج، في الغوطة الشرقية المحاصرة، إلى مطالبة الأمم المتحدة، النظام، بضرورة السماح بإجلاء نحو 500 مريض يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة لإنقاذ حياتهم، بما في ذلك 73 من المصابين بالسرطان. فيما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل يومين، عن التنسيق مع روسيا من أجل إخراج "نحو 500 شخص، بينهم 170 طفلاً وامرأة بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة".