ضغوط إيطالية بقضية ريجيني: دعوات لمقاطعة السياحة ووقف التنسيق الأمني

05 فبراير 2020
أحيا الإيطاليون الذكرى الرابعة لمقتل ريجيني (ماركو بيرتوريلّو/فرانس برس)
+ الخط -

يصعّد رئيس مجلس النواب الإيطالي روبرتو فيكو وعدد من نواب حزبه "النجوم الخمس"، ضغطهم على حكومة رئيس الوزراء جيوزيبي كونتي، لممارسة المزيد من الضغوط "الواقعية" على مصر، بغية كشف الحقيقة في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي اختفى في القاهرة في 25 يناير/ كانون الثاني 2016، وعثر على جثته وعليها آثار التعذيب على طريق مصر الإسكندرية مطلع فبراير/ شباط من العام نفسه. ويستند فيكو إلى التحقيقات الإيطالية التي كشفت أن ريجيني سقط في شراك جهاز أمني مصري، أو أكثر، وذلك على ضوء النزر اليسير من المعلومات التي قدمها الجانب المصري. وبدأت إيطاليا في تصعيد الضغط مرة أخرى على مصر منذ سبتمبر/ أيلول الماضي مع خروج الحليف الأبرز للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في روما، زعيم حزب "رابطة الشمال" ماتيو سالفيني، من التحالف الحكومي، وزيادة عدد المقاعد الوزارية الخاصة بحركة "النجوم الخمس" وتولي زعيمها لويجي دي مايو وزارة الخارجية خلفاً للوزير المستقل القريب من سالفيني، إنزو ميلانيزي.

لكن مع محاولة الإيطاليين استغلال الصورة الجديدة التي يحاول النائب العام المصري الجديد حماده الصاوي رسمها، في ظل تجدد التعهدات السياسية من السيسي بكشف الحقيقة وتسليم المتهمين إلى العدالة، يسعى رئيس مجلس النواب الإيطالي ونواب حزبه لممارسة أشكال جديدة من الضغوط تختلف عن الإجراءات السابقة، كتعليق التعاون مع البرلمان المصري. حتى أن فيكو قال أخيراً: "إن عام 2020 يجب أن يكون عام الحقيقة لريجيني، وأن يكف المصريون عن خداعنا".

وأفادت مصادر دبلوماسية مصرية بأن السفارة المصرية في روما رصدت محاولة ممنهجة من نواب ووسائل إعلام وبعض النشطاء اليساريين لنشر دعوات لمقاطعة مصر سياحياً، لحين الإفصاح عن الحقيقة، أو على الأقل تعاطي القاهرة بشكل إيجابي مع الأسئلة الإيطالية الرئيسية في التحقيقات. وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن حملة "الحقيقة من أجل ريجيني" التي يقودها والداه بدعم من منظمات دولية وأوروبية ومحلية، تقوم هذه الفترة بأنشطة واسعة ومنتعشة دعائياً، وتجذب لصفها آلاف المواطنين المتعاطفين مع القضية، الذين تستفزهم السياسة المصرية القائمة على التعتيم والمراوغة. وذكرت المصادر أن إيطاليا أرسلت هذا الأسبوع خطاباً جديداً لوزارة الخارجية المصرية للاستفسار عن مصير الأسئلة التي قدمها ادعاء روما للنيابة المصرية خلال اجتماع استئناف التعاون القضائي بين البلدين الذي انعقد منتصف الشهر الماضي بالقاهرة.

وسبق أن كشفت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن المسألة الأولى التي طلب مدعي روما من النيابة المصرية موافاته بـ"إجابة واضحة بشأنها"، هي عما إذا كان الرائد بالأمن الوطني مجدي شريف، الذي سبق ونشر ادعاء روما اسماً رباعياً تقريبياً له هو "مجدي إبراهيم عبد العال شريف"، موجوداً في العاصمة الكينية نيروبي في أغسطس/ آب 2017 أم لا، وذلك بهدف التأكد من صحة ومصداقية المصدر الشرطي الأفريقي (المجهول)، الذي أعلنت روما سابقاً أنه سمع حديثاً عفوياً من ذلك الضابط المصري أثناء تدريب للضباط الأفارقة، اعترف فيه بتورطه في قتل ريجيني، أو "الشاب الإيطالي" كما وصفه، إلى حد القول بأنه "لكمه عدة مرات" بسبب "الاشتباه في كونه جاسوساً بريطانياً".

ولا يبدو اسم الضابط المصري دقيقاً تماماً، لكنه أحد الأشخاص الخمسة الذين وجّه الادعاء الإيطالي اشتباهاً صريحاً بهم في ديسمبر/ كانون الأول 2018 (قبل أسابيع أيضاً من الذكرى الثانية لمقتل ريجيني)، وأبرزهم اللواء خالد شلبي الذي يشغل حالياً منصب مساعد وزير الداخلية لشمال الصعيد، وكان يشغل وقتها منصب مدير المباحث في مديرية أمن الجيزة.

أما المسألة الثانية فتركز على ضرورة التحقيق من جديد مع زميلة ريجيني المقرّبة، الباحثة نورا وهبي، وشريكه في السكن محمد السيد الصياد، ونقيب الباعة الجوالين محمد عبد الله، حول مدى علاقتهم بالأمن الوطني، وموافاة روما بمجريات ونتائج هذا التحقيق، وذلك بناء على معلومات قالت روما إنها حصلت عليها تفيد بأن وهبي والصياد كانا دائمي التواصل مع الضابط مجدي شريف.

والمسألة الثالثة، هي ضرورة إعادة التحقيق في طبيعة المراقبة التي تعرض لها ريجيني من قبل الأمن الوطني في الأشهر السابقة لمقتله، التي سبق أن اعترفت مصر بها بالفعل، سواء بأقوال الضباط الذين تم التحقيق معهم أو ببيانات النيابة العامة.

أما المسألة الرابعة، فتتمثل في التحقيق بشأن ما إذا كان الأمن الوطني (الشرطة) يقف وحده خلف ما حدث، ارتباطاً بوجود مؤشرات على ضلوع جهة أخرى، لم تسمّها، في الاشتباه بتجسس ريجيني والقبض عليه بهذه الطريقة غير الاحترافية.

وكانت تقارير صحافية إيطالية قد نقلت عن مدعي روما قبل عامين أن هناك دلائل على تورط المخابرات المصرية في الحادث، ليس فقط بسبب اختصاصها بالتحقيق في شبهات التجسس والتخابر التي ينسبها المصريون لريجيني، بل أيضاً بسبب عدم إقدام النظام على التضحية بالمسؤولين من الشرطة، وهو ما أعطى روما انطباعاً بأن النظام المصري يسعى لحماية مستويات وجهات أخطر من الشرطة. وعلى الرغم من ذلك، لم تشمل قائمة المشتبه فيهم التي أعدتها روما أي عنصر استخباراتي، بل اقتصرت على ضباط شرطة متعددي المهام.



يأتي هذا بعد أيام من كشف مصادر دبلوماسية أخرى لـ"العربي الجديد"، عن أن التيار اليساري في البرلمان الإيطالي يطالب بربط مشاريع التعاون الأمني بين البلدين بتحقق انفراجة في التعاون القضائي حول قضية ريجيني، كاشفة أن القاهرة استضافت بالفعل مشروعاً لتأهيل الشرطة وقوات الأمن الأفريقية لمواجهة الهجرة غير الشرعية، بتمويل مادي وفني وتدريبي مباشر من الحكومة الإيطالية، استمر من ربيع عام 2018 وحتى خريف العام الماضي، وأنه كان أحد صور التعاون الأمني "غير المعلن" بين البلدين، بدأ في عهد وزير الداخلية الإيطالي الأسبق ماركو مينيتي، الذي كان، رغم خلفيته الاشراكية، أحد أكثر السياسيين الإيطاليين حرصاً على الاستثمار في العلاقة مع السيسي لوقف الهجرة غير الشرعية.

وتم تعليق التنسيق بين البلدين تماماً منذ ديسمبر/ كانون الأول 2018، عندما زار وفد إيطالي دبلوماسي قضائي مشترك القاهرة للتعرف على مصير الطلبات الإيطالية بتسليم التحقيقات الخاصة بقضية مقتل أفراد عصابة السرقة، قبل أن يعلن الطرفان المصري والإيطالي عن استحالة حدوث تلك الرواية وسقوطها من اعتبارات المحققين.

وفي تلك الفترة أشارت النيابة المصرية إلى أنها رفضت طلباً من نيابة روما بإدراج بعض رجال الشرطة على قائمة ما يسمّى في قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي "سجلّ المشتبه فيهم"، وذلك لما أبداه الجانب الإيطالي من شكوك بشأن سابقة قيامهم بجمع معلومات عن ريجيني، وذكرت أن التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة بمصر وإيطاليا تخلو من قرائن قوية وليست مجرد شكوك على ما تتطلّبه القوانين الإيطالية ذاتها للإدراج في هذا السجل.

وطرح المصريون آنذاك تساؤلات على الإيطاليين بشأن "دخول ريجيني إلى مصر بموجب تأشيرة دخول سياحية من دون التأشيرة اللازمة لقيامه بإجراء أبحاث خاصة برسالة الدكتوراه على النقابات العمالية المصرية المستقلة"، وهو ما اعتبره الإيطاليون تهرّباً واضحاً من النيابة المصرية وإقفالاً لباب التعاون والتفافاً على مواجهة الجريمة الحقيقية.

إلا أن النائب العام المصري أعلن منتصف الشهر الماضي، في بيان صحافي، عن "تشكيل فريق تحقيق جديد يعكف على دراسة وترتيب أوراق القضية، ويعمل على اتخاذ كافة إجراءات التحقيق اللازمة لاستجلاء الحقيقة في حيادية واستقلالية تامة"، مؤكداً "حرص مصر على استمرار وتطوير التعاون القضائي بين النيابة العامة المصرية والنيابة العامة بروما، بغية الوصول إلى الحقيقة بموضوعية وشفافية تامة بعيداً عما يتم تداوله إعلامياً من معلوماتٍ مغلوطة عن القضية".

وكان آخر ضغط سياسي على مصر بالطرق الدبلوماسية، قد حدث بعد تشكيل حكومة كونتي الأولى باستدعاء السفير المصري لدى روما هشام بدر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، لحثّه على نقل الغضب الإيطالي من التباطؤ المصري، بعدما أصرت النيابة العامة المصرية على عدم منح نظيرتها الإيطالية تفاصيل التحقيقات التي من المفترض أنها أجرتها في قضية مقتل أفراد عصابة السرقة، التي ادّعت الشرطة أنها هي التي اختطفت ريجيني بدافع السرقة.

وكانت مجموعة من النواب المنتمين لليسار وحركة "النجوم الخمس" وغيرها من الأحزاب، قد سبق وطالبت بتخفيض المبيعات العسكرية وصادرات الأسلحة لمصر عند اتخاذ البرلمان الإيطالي قراراً بتجميد العلاقات مع البرلمان المصري في خريف 2018، وهو المشروع الذي لوحت به حكومة كونتي مراراً لكنه لم يدخل حيز التنفيذ على الإطلاق.

بل إن وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية الإيطالية، نشرت "العربي الجديد" تفاصيلها في يوليو/ تموز الماضي، أظهرت أن مصر اشترت أسلحة ومعدات ونظم إلكترونية أمنية وعسكرية من إيطاليا في 2018 بقيمة 69.1 مليون يورو، مسجلة بذلك رقماً قياسياً في تاريخ العلاقة بين البلدين، واحتلت المركز العاشر في قائمة الدول المستوردة للسلاح الإيطالي بصفة عامة، والأولى في قارة أفريقيا.