تعاني ليبيا فراغاً أمنياً مند أربع سنوات، فلا توجد رسوم جمركية تمنح للسلع الآتية من الخارج، إلا في نطاق ضيق.
ويضاف إلى ذلك أن الموردين لا يسددون الرسوم السيادية وسط الفوضى السياسية التي تضرب ليبيا وتمنح المجال للعصابات المسلحة لتهريب السلع والمتاجرة في الوقود وحتى بيع شحنات نفط إلى شركات دولية.
ويعتمد السكان المحليون في الحدود الليبية المجاورة لتونس بشكل أساسي على عمليات التهريب، حيث يقتصر بعضها على توريد السلع الغذائية من الخارج، بينما يقوم المهربون بعمليات تهريب الوقود إلى تونس.
ولم يقتصر التهريب خلال الأربع سنوات الماضية على كميات من السلع فقط بل وصل الأمر لتهريب حاويات محملة بالبنزين مثل الناقلة الروسية "ميخانيك تشيبوراتيف" التي قبض عليها في 17 سبتمبر/أيلول الماضي على سواحل زوارة، والتي تبعد 150 كيلومتراً غرب العاصمة الليبية طرابلس، علاوة على التجارة بالبشر عبر الهجرة غير الشرعية.
ومن خلال جولة مراسل "العربي الجديد" في الحدود المتاخمة لتونس، والتي تنشط فيها عمليات تهريب السلع خلال اليومين الماضيين، يلاحظ أن طوابير من الشاحنات المحملة بالسلع الغذائية أمام بوابة رأس أجدير.
وعند سؤال أحد سائقي الشاحنات حول الإجراءات المتبعة بشأن دخول البضائع، قال: "هناك غياب لرجال الجمارك وهناك كشف بسيط حول السلع الغذائية فقط ولا توجد تصاريح ولا رقابة ولا من يحزنون".
وفي حين يقول سائق آخر إن معظم حرس الحدود من سكان المناطق المجاورة للحدود "ببعض العلاقات يتم إدخال البضائع وتذهب إلى سوق الكريمية مباشرة". وسوق الكريمية من أكبر أسواق السلع جملة الجملة في طرابلس.
وقال علي المحجوبي، وكيل وزارة الاقتصاد في حكومة الإنقاذ الوطني في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن وزارة الاقتصاد لا توجد لديها سيطرة على العملية الاقتصادية في البلاد، فالموردون يفتحون اعتمادات عبر المصارف التجارية دون تنسيق مع الوزارة وكذلك مصرف ليبيا المركزي لا يصغي لوزارة الاقتصاد بشأن وضع أولويات لتوريد السلع، ولا سيما الغذائية منها.
وأوضح أن المسؤول الأول عن عمليات التهريب للسلع مصلحة الجمارك؛ لأنها المشرفة على دخول السلع الغذائية عبر الحدود والموانئ البحرية، مشيراً إلى أن الوزارة قامت بالتعاون مع جهات مختصة بمصادرة سلع مهربة منتهية الصلاحية وتم إتلافها.
وحول سؤال لمراسل "العربي الجديد" بشأن الأعباء التي تمثلها على الاقتصاد الليبي، قال لا توجد لدينا إحصاءات دقيقة، ولا سيما في ظل الصراع السياسي الجاري في البلاد ولا توجد حتى إحصاءات رسمية حول السلع الموردة للسوق.
وقال إن وزارة الاقتصاد تسعى إلى إقامة منظومة للرقابة على السلع من شأنها معرفة السلع التي تدخل بشكل رسمي، وذلك بالتنسيق مع مصلحة الجمارك ومصرف ليبيا المركزي، ومعرفة كل السلع الموجودة، والتي هي موجودة بشكل قانوني أو غير قانوني.
وقال إن انخفاض سعر الدينار الليبي أمام الدولار، سينعكس في ارتفاع أسعار السلع المستوردة. ولهذا يجب على الجهة التشريعية إعادة النظر في قرارها بخصوص استبدال الدعم السلعي بدعم نقدي أو رفع قيمة الدعم النقدي لمن مرتباتهم أقل من ألف دينار، مع تأجيل رفع الدعم عن المحروقات على الأقل لثلاث سنوات قادمة.
اقرأ أيضاً: اقتصاد ليبيا يراهن على اتفاق الصخيرات
وقال مدير إدارة الإعلام في مركز الرقابة على الأغذية والأدوية، مختار القصيل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن المركز يعطي السلعة المطابقة للمواصفات القياسية من عدمها، وإن المركز يتواجد عبر ستة منافذ في ليبيا سواء البرية أو البحرية أو الجوية لمنح الموافقات من عدمها وذلك بالتنسيق مع مصلحة الجمارك.
وحول سؤال بشأن دخول السلع المهربة للسوق المحلي وعلى رأسها الأغذية منتهية الصلاحية التي تدخل البلاد بين الفينة والأخرى، قال إن الفراغ الأمني وعدم استقرار البلاد ساهما بشكل كبير في دخول السلع المهربة، مؤكداً أن معظم الدول لا تستطيع القضاء على عمليات التهريب.
كما أشار إلى أن هناك رقابة داخلية حول السلع، ولكنها لا تتعدى النصيحة فقط بشأن المخالفات دون ضبطها، وأن الجولات الميدانية مؤخراً تقتصر في نطاق ضيق على المخابز، نظراً لانتشار السلاح.
وبينما يؤكد رئيس اتحاد منظمات جمعيات حماية المستهلك أحمد الكردي لـ"العربي الجديد"، أن هناك ضعفاً في الرقابة على المنافذ الحدودية في ليبيا، في ما يخص دخول السلع، في ظل غياب الجهات الرقابية للتفتيش عن السلع والأدوية إثر دخولها إلى ليبيا.
وقال إن الأمر لا يقتصر على السلع المهربة فقط، بل إن هناك سلعاً غذائية غير صالحة للاستهلاك البشري وعلى رأسها بعض الأجبان مجهولة الصنع والعصائر ومواد التنظيف، مما تسبب في أمراض كثيرة لجلّ الليبيين .
كما أشار إلى أن هناك مساعي من قبل مصلحة الجمارك بشأن تقديم المعلومة المسبقة للسلع قبل قدومها إلى ليبيا عبر منظومة مركزية، ولكن رجال الأعمال رفضوا ذلك الإجراء، مما تسبب في تعليقه إلى حين إشعار آخر.
ولم تعلق مصلحة الجمارك على تهاون موظفيها وتساهلهم بشأن دخول السلع المهربة عبر الحدود في ليبيا.
وقال العميد جمعة الساكت، المسؤول في مصلحة الجمارك الليبية في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن هناك إجراء جديداً جاء بالتنسيق مع منظمة الجمارك العالمية، لمتابعة البضائع ومصادرها قبل وصولها عبر المنافذ البرية أو الجوية أو البحرية إلى ليبيا، في مسعى لمنع استيراد حاويات فارغة، يكون الغرض منها تهريب العملات الصعبة إلى الخارج.
وقال إن الاتفاق يسهم في تتبع حركة البضائع من حيث بلد المنشأ وبوليصة الشحن وسعر العملة المقيدة به وكذلك تاريخ الشحن وتاريخ الوصول، بالإضافة إلى معرفة الجهة المتعاقد معها والموردة للبضائع، وذلك لوقف تدفق السلع مجهولة المصدر.
كما عقد الموردون وأصحاب شركات الملاحة اجتماعاً موسعاً في الغرفة التجارية بطرابلس. وأكد المجتمعون خلاله أن المعلومات التي ستحصل عليها الشركة المتعاقدة اعتيادية وتكون موجودة في بوليصة الشحن، ما يعني أن هذا التعاقد غير مجد.
وتعيش ليبيا منذ العام الماضي تحت ظل برلمانين، انبثقت عنهما حكومتان؛ واحدة في طرابلس الغرب وأخرى في طبرق القريبة من الحدود المصرية شرق البلاد.
كما أن اتفاق الصخيرات الذي يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية ستقود المرحلة الانتقالية ينظر إليها المعترضون في ليبيا وحتى قبل ولادتها على أنها ستكون "حكومة وصاية".
اقرأ أيضاً:
الليبيون يخزّنون السلع خوفاً من اختفائها
"فايننشال تايمز": تشكيل حكومة آخر فرص ليبيا لإنقاذ اقتصادها