استهداف منشأتين لـ"أرامكو" السعودية، أمس السبت، جاء من خارج الحسابات وفاجأ واشنطن بحجمه وتوقيته. لم تكن تتوقع أن يصل التوتر في المنطقة إلى حدود اللعب بهذا الصاعق سريع الالتهاب وإلى حدّ تعطيل نصف إنتاج النفط السعودي.
كما لم يكن من المتوقع أن يحصل مثل هذا التصعيد عشية الاجتماع الدولي في نيويورك لافتتاح دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة واللقاء الموعود على هامشه بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والإيراني حسن روحاني، والذي أعطى البيت الأبيض أكثر من إشارة خاصة بعد طرد مستشار الأمن القومي جون بولتون، على نيته في عقده. ولذلك كانت الضربة صادمة ومحيّرة.
التقديرات تتراوح بين احتمال حصول العملية بتفجير أرضي أو بقصف غالباً بالطائرات المسيّرة، مع الترجيح للأخيرة.
وفي كل حال يجري تحميل إيران المسؤولية. وزير الخارجية مايك بومبيو كان أول المتهمين. وما لفت في موقفه أنه جاء بلغة قاطعة. لم يفصح عمّا إذا كانت لديه معلومات تؤكد تهمته. لكنه بدا جازماً في ذلك. ومثله كان بعض أعضاء مجلس الشيوخ الذين ذهب أحدهم، وهو السناتور ليندسي غراهام، إلى حدّ المطالبة بضرب المنشآت النفطية الإيرانية. وكذلك كانت النبرة إلى حد بعيد في أوساط مجلس النواب ومن الحزبين. "لا أحد يملك الإمكانية لتنفيذ مثل هذه العملية غير إيران"، كما قال النائب الديمقراطي آدم شيف. الجمهوريون كانوا أكثر حسماً وتشدداً في توجيه إصبع الاتهام إلى طهران التي "ينبغي عدم منح قيادتها التأشيرة لدخول نيويورك الأسبوع القادم للمشاركة في دورة الأمم المتحدة"، كما قالت النائبة ليز تشيني.
في المقابل، أثار صمت ترامب علامات استفهام. القضية كبيرة تتعلق بقطع 5% من الانتاج النفطي العالمي، وتمس السعودية التي لطالما دافع عن تقاربه منها؛ ومع ذلك لم يصدر عنه تعليق.
كلّف ترامب على ما يبدو مستشارته الأقرب إليه، كيليان كونواي للتحدث في الموضوع، في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، حرصت فيها على التخفيف غير المباشر من وطأة الحادثة خلافاً للوزير بومبيو، مع التلميح شبه الصريح بأنّ لقاء نيويورك مع روحاني ما زال على الطاولة. "الرئيس ينظر" في الموضوع، قالت في ردها على سؤال حول ما إذا كان ترامب لا يزال يعتزم عقد هذا اللقاء".
كونواي التي لم تعط مقابلة منذ أشهر، تنطق عادة بموقف الرئيس. لا تحيد شعرة عن خطه. كررت ذات التسويغ بأن ترامب "يعتمد التفاوض للحصول على صفقة أفضل". بذلك رسالته واضحة وهي أن هجوم أرامكو لا يلغي بالضرورة اللقاء مع الرئيس روحاني. على الأقل حتى الآن. النائبة تشيني ألمحت إلى هذا الاحتمال ولو أنها نهت عنه "باعتباره غير مناسب في الوقت الحاضر"، من دون اعتراض صريح على اجتماع تعرف أن ترامب ما زال يحبّذ حصوله.
وللتطمين من عواقب الضربة وتأثيرها المتوقع على المستهلك الأميركي من ناحية ارتفاع اسعار النفط، ألمحت الإدارة عزمها اللجوء إلى استخدام الاحتياط النفطي الجاهز لسد العجز في السوق الأميركية إذا تطلب الأمر.
وفي هذا الخصوص يتردد أن الأسواق تتّجه إلى ارتفاع لا يقل عن 10 دولارات للبرميل ابتداء من تعاملات غداً الإثنين. وثمة تقديرات بالصعود لغاية مئة دولار للبرميل. لكنه احتمال مبالغ فيه، حسب المؤشرات حتى الآن.
الحادثة كان لها وقع التحدي في واشنطن. تجاوزت ما كان يعتقد بأنه خط أحمر تتهيّب سائر الأطراف عبوره. وفي مثل هذه الحالة تكثر السيناريوهات حول الغاية من المساس بالعصب الحساس ومن هي الجهة المنفذة ووسيلة التنفيذ المتقدمة ومصدرها. معظمها إن لم تكن كلها، تمر باللقاء الموعود بين الرئيسين ترامب وروحاني. منها ما يرى أن الهجوم جاء ربما لتعزيز موقف طهران قبل اللقاء. ومنها ما لا يستبعد أن يكون بتوقيته قد استهدف نسف هذا اللقاء. الإجماع بينها أنّ هذا التطور رفع من درجة التوتر وسرعة عطب الوضع في الخليج.