في الوقت الذي قرر المجلس الأوروبي توقيع عقوبة رمزية على فرنسا، لعدم إقرارها أحكاماً تحظر بشكل صريح العقوبات الجسدية ضدّ الأطفال، كما هو الحال في 44 دولة حول العالم، وفيما شهدت مصر مصرع تلميذ ضربه معلمه بقوة على رأسه، لا يزال المزاج السائد في الكاميرون يروّج لفكرة أنّ طفلاً مضروباً هو طفل متعلم.
"إيف أبولو"، شاب كاميروني يبلغ من العمر 34 عاماً، لا تزال ذاكرته تحتفظ بصورة والده القاسي "كنا نلقّبه بالكلب الأسود، كان لديه سلك كهربائي أسود اللون يستخدمه لضربنا". اليوم، أصبح ذلك الصبي الصغير مهندساً في كبرى شركات الاتّصال في البلاد، ويؤكّد أنّه مدين بنجاحه لقسوة والده.
أمثال "إيف" كثيرون في الكاميرون، ممّن يتعرّضون للضرب لـ "أغراض تعليمية"، سواء في البيت أو في المدرسة، واللجوء إلى الضرب هو سلوك شائع في الكاميرون.
ورغم أنّ السلطات التربوية في الكاميرون، حظرت الضرب منذ بداية الألفية الثانية، وذلك وفقا للمادة 35 من القانون التوجيهي للتربية في الكاميرون، فإنه لا يوجد، حتى الآن، قانون رسمي عام بخصوص هذه المسألة.
رئيس إحدى نقابات أساتذة التعليم الإبتدائي في العاصمة ياوندي، ويدعى شارل كونغ، قال: "الضرب محظور في المدارس، إلاّ أنّه يوجد هامش للتسامح"، موضحا أنّه "لا يمكن معاقبة أستاذ لإعطائه ضربة أو اثنتين لطالب، والضرب منع تجنّبا للمبالغة فيه، لأنّ بعض الأساتذة يضربون الأطفال إلى درجة جعلهم مرضى".
وتابع"هناك أطفال جامحون، والعقوبات الخفيفة مقبولة، على غرار حرمان الطفل من الراحة بين الحصص، أو تكليفه بتنظيف المراحيض"، معتبرأ أن "تلك العقوبات لا تعدّ ناجعة، فحين يعاقب الأستاذ الطفل، فهو يعاقب نفسه، لأنّه مرغم على البقاء معه طوال فترة العقوبة".
أما قوله بأن "الضرب وسيلة سريعة وفعّالة"، لم يلق تأييد جون تاكوغانغ البروفيسور بجامعتي ياوندي ودوالا، الذي أكّد أنّ "العقوبة ينبغي أن تكون تربوية، وأن تقود الطفل نحو التحسّن، والضرب يمكن أن يجعله أكثر قسوة. يجب إحتواؤه عبر إظهار المودّة له وليس بطريقة وحشية".
وتابع "بالنسبة لطفل لم يقم بما عليه من واجبات، بالإمكان إرغامه على إنجاز تمرين أو اثنين إضافيين، بطريقة تمكنه من تدارك الحصّة التي ينبغي عليه استيعابها".
أمّا بول أبونا، المتخصّص في علم الأنثروبولوجيا، فيرى أنّ "للضرب مكانته في تعليم الطفل"، فهو "مرتبط بعقاب الجلد الخارجي، وهذه إستراتيجية التنشئة الاجتماعية، ولا يعدّ أمراً سادياً أو إهانة، بل يحثّ الطفل على عدم الوقوع في نفس الأخطاء، وتعلّم احترام قواعد المجتمع الذي يعيش فيه".
وفي شهادات متفرّقة، أكّد جميع الآباء في ياوندي، أنّهم تلقّوا عدّة ضربات طوال طفولتهم.
هيرفيه أندوا، أب لخمسة أطفال، قال إنّ "الضرب يساهم في وضع السقف الذي لا ينبغي تجاوزه، وهو وسيلة ناجعة حين يتمّ اللجوء إليها قبل سنّ العاشرة، فبعد ضربة أو اثنتين يكون الطفل قد استوعب جيّدا ما عليه فعله".
أمّا إيرين مارغريت نزهيي، وهي أمّ لثلاثة أطفال، فأكّدت أنّ "الضرب هو عنف لا مكان له في تعليم وتربية أطفالنا، وحرمانهم من الألعاب يعدّ أكثر نجاعة في نظري، فهو حين يكون مرغماً على البقاء في المنزل مثلاً، فيما يستمتع رفاقه باللعب في الخارج، يكون ألمه أضعافاً ممّا لو تعرّض للضرب".
ووفقا للجمعية الدولية "لنضع حدّا للعقاب الجسدي للأطفال"، والتي تجري بحوثاً في الموضوع، فإنّ 44 دولة حول العالم حظرت رسمياً استخدام العقاب البدني، من بينها السويد وفنلندا واليونان، إضافة إلى كلّ من كينيا والنمسا والبرازيل، فيما لم تعرب 112 دولة أخرى عن موقفها حيال الظاهرة. أما ضرب الأطفال بالعصا أو بالسوط فهو أمر قانوني، لا سيما في أفغانستان وبوتسوانا وكولومبيا وتنزانيا.
اقرأ أيضاً:اختطاف طفل يعيد الجدل لجرائم التحرش في السعودية
اغتصاب القاصرات "يتزايد" في نيجيريا والعدالة "نائمة"