في كتاب "المُصطنَع والاصطناع" (1981)، يلاحظ جان بودريار (1929-2007) أننا نعيش في عالم تزيد فيه المعلومات أكثر فأكثر، بينما يصبح فيه المعنى أقل فأقل.
مفارقة ينطلق منها ليقيم نظريته عن "إلغاء الواقع" بواقع مصطنع تصير فيه الميديا هي الحدث، أما الحدث نفسه فيأتي في درجة ثانية.
هكذا، يمكننا أن نرى -بحجم أكبر- ما بتنا نسميه بكثير من الترديد الميكانيكي: عملية التلاعب بالجماهير، وكأن الأمر طبيعيٌّ، وبالتالي غير خاضع للتقييم الأخلاقي.
وكما في معظم المعاملات، يلعب الوسيط دوراً غير شفاف. ليس الوسيط بالضرورة كائناً مفكراً وصاحب قرار مدروس، فمثلاً أثبت الاقتصاديون أن النقود ليست وسيطاً محايداً في السوق.
من هنا، أصبح ما تفعله الميديا بالمُعرَّضين إلى تأثيرها أمراً غير قابل للتوقّع إلى حدّ كبير. ولعل هذا الأمر جوهري وحيوي بالنسبة إليها، فتوقّع تأثيرها يعني خفوت التلاعب. ولضمان مواصلة القيام بدورها، تشتغل الميديا دائماً على نفسها، مستفيدة من دعم تكنولوجي وفني لا ينقطع.
ماذا بقي للمستهلكين، من أجل ضمان هامش من الحرية؟ لعله الفكر النقدي ومنتجوه. وهؤلاء قلما لا يتقاطعون مع الميديا (لا ننسى أن الكتاب والإنترنيت ضمنها) بذريعة أنها شرط التواصل. فهل يمكن أن يكونوا ضد الميديا بحق، أي ضد الوسيط؟
بعد ذلك، إلى أي حد سنثق في القراءات النقدية للمفكرين في الميديا، ومنهم بودريار الذي انطلقنا من فكرته؟