لكل فرد يعيش في أي مجتمع عدة مبادئ وضوابط ينشأ عليها بالفطرة غير التي يتعلمها من المصادر المختلفة كالدين والإنترنت وشاشات التليفزيون، لا تلتزم هذه الضوابط التي تعد من موروثات القدامى بأي من الفروض أو الثوابت، إنما هي تُطبّق من منطلق العرف، وما يخالف العرف يعد "حراماً" مجتمعيًا ويطبق عليه حد النبذ للعزوف عن المعتاد.
سنسرد لكم في السطور القادمة بعضاً من هذه الصفات التي تُحرّم مجتمعيًا، ولكن دعونا نتفق أن -الصفات المحرمة- قد تسهم بنسبة ما في خلق مناخ يفرض حدودًا يصفها بعضهم بالإيجابية، ولكننا لا نغفل سلبية مخالفتها المفرطة، والتي قد تخلق متمردين قد يلجؤون إلى كسر قواعد تعد محرمة دينيا، لذا وجب التنبيه إلى أن انتقادنا ما هو إلا دعوة إلى التعقل في التعامل مع أي منها.
زواج الأرملة
دائما ما يربط مجتمعنا المصري زواج الأرملة بالخيانة لعشرة الزوج، رغم أننا لو وضعنا أنفسنا موضع المُتوفى -بارك الله في أعماركم- سنجد أننا في عالم آخر لن يفرق معنا أي من تصرفات الأحياء، ولن يشوب عملنا أي من الأفعال؛ دنيئة كانت أو جيدة، وإن حدث شيء جلل وكنا ذوي سمعة طيبة وقت حياتنا فسيترحم الخلق علينا وكفى، وعلى صعيد آخر فالأرملة هي أنثى لها متطلباتها على جميع الأنحاء من حُب وسكن وعائل ورفيق لمواجهة تحديات الحياة، فلماذا نحرمها من كل هذه الأحاسيس لمجرد شخص لم يعد يفرق معه أي شيء في حياتها بعد فراقه هذه الدنيا؟
الأعمال الحِرفية
نظرة عنصرية مدمرة لجميع مبادئ المساواة يتميز بها مجتمعنا في التقليل من شأن أي من العاملين في المهن التي لا تعتمد على المؤهلات -رغم خروج مصر من التصنيف العالمي في جودة التعليم-، ولكننا نُصر على النظر إلى هؤلاء بأنهم جهلة أو فقراء أو محدودو الذكاء، ولو نظرنا بواقعية أكثر لشابين أحدهما تعلم وكافح ليتخرج من كليته ليعمل مثل عمل شاب آخر بدأ في نفس مهنته قبل أعوام، كالميكانيكا أو المقاولات أو الأعمال الإدارية على سبيل المثال لا الحصر، ستجد الأكثر كفاءة هو الشاب الحرفي، بينما سيظل الأكثر وجاهة هو صاحب الشهادة، ليحضر إلى أذهاننا مقولة الزعيم "بلد شهادات صحيح".
العنوسة
لفظ دارج يطارد كل فتاة تخطت الثلاثين عاما، ليكون شعورها نحو أي شيء غير مكتمل نظرا لافتقادها "الزوج"، وتبقى نظرة المجتمع لها بأنها "عانس" لم تنجح في لفت انتباه أي كائن من الجنس الآخر، الأمر الذي يترتب عليه الكثير من الزيجات للهرب من ذاك التوصيف في المقام الأول، لا للأسباب الأساسية التي وجد لأجلها الزواج، على الرغم من كون الفتاة غير متزوجة يعد أمراً أفضل كثيراً من كونها مطلقة بعد عذاب نفسي أو مجبرة على العيش بأي وضع لإعالة أطفال، أو لفرض مصالح متبادلة بين العائلتين، قد يكون عزوبية المرأة سببا في تحقيق نجاحات كثيرة يقتلها الزواج، فلما نقيد مستقبلها في طريق واحد تعد نسبة نجاحه ليست بالمؤكدة، بينما هناك العديد من الطرق الأخرى التي يتفاوت بها نسب أكبر للنجاح.
أضف إلى هذه العادات نظرة المجتمع إلى عشرات القضايا الأخرى مثل تعدد الزوجات، الطلاق، العمالة المبكرة، زواج المؤهلات، وأخيرًا وليس آخراً متطلبات الزواج، كلها قيود ونظرات قاصرة فرضها المجتمع من دون فهم أصل تطبيقها، وتسبب كسر بعض هذه القواعد التي ليس لها أي أصول دينية إلى التمرد عليها وعلى الأصول الدينية نفسها نظراً لعدم مقدرة بعضهم على التعايش مع هذه القيود.
فهل سيأتي اليوم الذي نترك لكل شخص الحرية في تصرفاته دون أي نظرات أو تعبيرات جارحة ما دام لم يضر بها أحدا غيره، ولم يجاهر بمعصية تخالف القواعد الدينية الثابتة؟ ربما.