20 يونيو 2022
ضباط فرنسا والخدعة!
بداية سنة 1957 وفي عز المعركة مع العدو الفرنسي وفي غمار ثورة نوفمبر 1954 وفي سبيل تحقيق استقلال لا "احتقلال" - والاحتقلال هو مزيج بين الاستقلال والاحتلال وهو مصطلح أطلقه المجاهد العظيم محمد بن عبد الكريم الخطابي على الاستقلال النظري للبلدان - وهو الذي ركّع الاحتلال وأسّس لجمهورية الريف الضائعة، بدأ تسرب ضباط فرنسا والذين أطلق عليهم "دفعة لاكوست" من الجيش الفرنسي نحو جيش التحرير الوطني (الجناح العسكري لجبهة التحرير الوطني)، وكان أول الفارين الملازم عباس غزيل الذي التحق فيما بعد بالولاية التاريخية الأولى، والثاني الملازم الأول أحمد بن شريف والتحق بالولاية التاريخية الرابعة، حسب ما ذكره الدكتور عبد الحميد الإبراهيمي رئيس الوزراء الأسبق في كتابه في أصل الأزمة الجزائرية.
وتبع التحاق بن شريف وغزيل التحاق مجموعة من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي تفرقوا بين الولايات، وعرف فرارهم من الجبهة الفرنسية نحو الجبهة الجزائرية المجاهدة عدة مراحل، فبداية التحاقهم سنة 1957 فتحت المجال للبقية لأن يأتوا فيما بعد، كبعض الضباط الذين أصبح لهم شأن يذكر، كمحمد التواتي ومحمد العماري اللذين التحقا بصفوف جيش التحرير الوطني في سنة 1961، أي قبيل الاستقلال بأشهر معدودات، وحسب الدكتور عبد الحميد الإبراهيمي فإن هناك حتى طيارين فرّوا من الجيش الفرنسي والتحقوا بتونس والقاهرة في سنتي 1957 و1958.
والعجيب أن عمليات الالتحاق والتي كانت بمثابة اختراق للثورة لم تجد أي مانع من القيادة القوية الممثلة للحكومة المؤقتة ككريم بلقاسم أحد أفراد مجموعة الستة التاريخية، ووزير الدفاع وعبد الحفيظ بوصوف مسؤول وزارة التسليح، ولخضر بن طوبال، والذين كانوا يلقّبون بـ"الباءات الثلاث"، بل على العكس وجدت ترحاباً قوياً جداً منهم في سبيل حلم تأسيس "جيش قوي" مهيكل بضّباط قاتلوا في يوم من الأيام مع العدو الفرنسي ضد الثورة الجزائرية، هذا ما لم يقبله العقل ويوضح بشكل كبير الخدعة التي تعرّض لها قادة الثورة آن ذاك.
ويرجع مهتمون بتاريخ هذه الفترة التي كانت حاسمة في تنصيب حكام ما بعد الاستقلال أن هذا الحلم بتكوين جيش احترافي مهيكل بضباط من الجيش الفرنسي قد يؤخذ من جانب أنه تواطؤ من طرف الذين فتحوا الباب لهؤلاء المشكوك فيهم والذين تحولوا إلى أرباب أهلكوا الحرث والنسل بعنجهية مقيتة وبتسلط أرعن، سيذهب ذهن القرّاء الأكارم إلى أن هواري بومدين رحمه الله هو من استقدم ضباط فرنسا وبثّهم في أجهزة الدولة الحساسة، وهذا صحيح، ولكن من فتح الباب لأول مرة لهم هو أحد أعضاء مجموعة الستة التاريخية، والمذكور سابقاً كريم بلقاسم، إذ كان هؤلاء "الفارون" يدينون لكريم بالولاء الشديد، وكان الهدف مما قام به كريم بلقاسم الذي كانت نهايته وخيمة جداً سنة 1970 بفرانكفورت في ألمانيا، هو تكوين قوة تسمح له بلعب دور مهم داخل الحكومة المؤقتة والحد من نفوذ زميليه بن طوبال وبوصوف الذي كان الأب الروحي إن صح التعبير لهواري بومدين.
ولكن بومدين استعمل هؤلاء الفارين للقضاء على خصومه وإخلاء الساحة من كل المهددين لعرش الطامح بوخروبة، فكيف يفسر المدافعون عن بومدين لدرجة القداسة هيكلة الجيش بضباط فرنسا رغم وجود خريجي المدارس العسكرية العربية؟ وكيف يفسرون تعيين عبد القادر شابو كبير ضباط دفعة لاكوست في منصب الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني؟ وهو ما اعترض عليه العقيد شعباني عليه رحمه الله والذي كانت نهايته هو الآخر نهاية وخيمة جداً، شأنه شأن كريم بلقاسم ومحمد خيضر ومدغري وخميستي.
دفعت الجزائر ثمناً باهظاً بداية تسعينيات القرن الماضي، والذي جاء نتيجة تعيين ضباط فرنسا في أماكن حساسة، وخاصة في الجيش، وهذا عقب الانقلاب المشؤوم على الإرادة الشعبية وتوقيف المسار الانتخابي في 11 يناير 1992، فقد ترتب على هذه الكارثة آلاف القتلى والمشردين، واقتصاد مدمر وسمعة دولية مهلهلة.
لطالما كان الصراع على السلطة نهايته وخيمة وسيئة العواقب. هذا ما جنته الجزائر من الصراع على السلطة واستخدام سكين حاد كضباط فرنسا في كسر عظام الخصوم.
وتبع التحاق بن شريف وغزيل التحاق مجموعة من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي تفرقوا بين الولايات، وعرف فرارهم من الجبهة الفرنسية نحو الجبهة الجزائرية المجاهدة عدة مراحل، فبداية التحاقهم سنة 1957 فتحت المجال للبقية لأن يأتوا فيما بعد، كبعض الضباط الذين أصبح لهم شأن يذكر، كمحمد التواتي ومحمد العماري اللذين التحقا بصفوف جيش التحرير الوطني في سنة 1961، أي قبيل الاستقلال بأشهر معدودات، وحسب الدكتور عبد الحميد الإبراهيمي فإن هناك حتى طيارين فرّوا من الجيش الفرنسي والتحقوا بتونس والقاهرة في سنتي 1957 و1958.
والعجيب أن عمليات الالتحاق والتي كانت بمثابة اختراق للثورة لم تجد أي مانع من القيادة القوية الممثلة للحكومة المؤقتة ككريم بلقاسم أحد أفراد مجموعة الستة التاريخية، ووزير الدفاع وعبد الحفيظ بوصوف مسؤول وزارة التسليح، ولخضر بن طوبال، والذين كانوا يلقّبون بـ"الباءات الثلاث"، بل على العكس وجدت ترحاباً قوياً جداً منهم في سبيل حلم تأسيس "جيش قوي" مهيكل بضّباط قاتلوا في يوم من الأيام مع العدو الفرنسي ضد الثورة الجزائرية، هذا ما لم يقبله العقل ويوضح بشكل كبير الخدعة التي تعرّض لها قادة الثورة آن ذاك.
ويرجع مهتمون بتاريخ هذه الفترة التي كانت حاسمة في تنصيب حكام ما بعد الاستقلال أن هذا الحلم بتكوين جيش احترافي مهيكل بضباط من الجيش الفرنسي قد يؤخذ من جانب أنه تواطؤ من طرف الذين فتحوا الباب لهؤلاء المشكوك فيهم والذين تحولوا إلى أرباب أهلكوا الحرث والنسل بعنجهية مقيتة وبتسلط أرعن، سيذهب ذهن القرّاء الأكارم إلى أن هواري بومدين رحمه الله هو من استقدم ضباط فرنسا وبثّهم في أجهزة الدولة الحساسة، وهذا صحيح، ولكن من فتح الباب لأول مرة لهم هو أحد أعضاء مجموعة الستة التاريخية، والمذكور سابقاً كريم بلقاسم، إذ كان هؤلاء "الفارون" يدينون لكريم بالولاء الشديد، وكان الهدف مما قام به كريم بلقاسم الذي كانت نهايته وخيمة جداً سنة 1970 بفرانكفورت في ألمانيا، هو تكوين قوة تسمح له بلعب دور مهم داخل الحكومة المؤقتة والحد من نفوذ زميليه بن طوبال وبوصوف الذي كان الأب الروحي إن صح التعبير لهواري بومدين.
ولكن بومدين استعمل هؤلاء الفارين للقضاء على خصومه وإخلاء الساحة من كل المهددين لعرش الطامح بوخروبة، فكيف يفسر المدافعون عن بومدين لدرجة القداسة هيكلة الجيش بضباط فرنسا رغم وجود خريجي المدارس العسكرية العربية؟ وكيف يفسرون تعيين عبد القادر شابو كبير ضباط دفعة لاكوست في منصب الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني؟ وهو ما اعترض عليه العقيد شعباني عليه رحمه الله والذي كانت نهايته هو الآخر نهاية وخيمة جداً، شأنه شأن كريم بلقاسم ومحمد خيضر ومدغري وخميستي.
دفعت الجزائر ثمناً باهظاً بداية تسعينيات القرن الماضي، والذي جاء نتيجة تعيين ضباط فرنسا في أماكن حساسة، وخاصة في الجيش، وهذا عقب الانقلاب المشؤوم على الإرادة الشعبية وتوقيف المسار الانتخابي في 11 يناير 1992، فقد ترتب على هذه الكارثة آلاف القتلى والمشردين، واقتصاد مدمر وسمعة دولية مهلهلة.
لطالما كان الصراع على السلطة نهايته وخيمة وسيئة العواقب. هذا ما جنته الجزائر من الصراع على السلطة واستخدام سكين حاد كضباط فرنسا في كسر عظام الخصوم.