ضبابية الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي

22 نوفمبر 2018
انعكاسات قاسية على البورصات (Getty)
+ الخط -
أحدثت نتائج انتخابات الكونغرس الأميركي  النصفية، والاعترافات المتعلقة بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وهبوط أسعار النفط، والحملات التي تشن على سلوكيات كبرى شركات العالم في قطاع تكنولوجيا  المعلومات والاتصال، بلبلة كبرى، انعكست على أسواق  رأس المال والبورصات العالمية. 

وقد رأينا، في نهاية الأسبوع الماضي ومطلع الأسبوع الحالي، خسائر في البورصات العالمية، أدت إلى ضياع  الأرباح التي حققتها قبل ذلك.

وقد تبين أن الولايات المتحدة، التي تقاعس مجلس الاحتياطي الفيدرالي فيها (البنك المركزي) عن رفع أسعار الفوائد، ومن المرجّح أنه لن يرفعها عند نهاية هذا العام، لم يؤدِ، حتى الآن، إلى تحسين مستوى الأداء في البورصات. وإن ساهم في تحسينها، ولو برهة من الزمن، فإنها لا تلبث أن تعاود الهبوط. ومن حقنا أن نسمّي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي شهر التقلبات والتغيرات في موازين القوى.

وكذلك، قامت مجموعة دول منظمة الأوبك بتأجيل اجتماعها العادي المقرّر تحت ضغط الولايات المتحدة. وقد فهم من هذا التأجيل أن الاتفاق المنتظر على تخفيض "إنتاج أوبك" لن يبحث، فبعدما زادت الولايات المتحدة إنتاجها من النفط الخام إلى ما يقارب 10.5 ملايين برميل يومياً، وتسمينها مخزونها الاستراتيجي من النفط ومشتقاته، انحدر سعر الخام الأميركي إلى حوالي 54 دولارا، وهبط سعر مزيج برنت إلى ما دون السبعين دولاراً.

وقد كان الموقف السعودي، والذي عبر عنه وزير نفطها خالد الفالح، ينادي قبل أسبوعين بضرورة تخفيض منظمة أوبك كميات النفط بمليون برميل يومياً، تتعهد المملكة، بموجب ذلك، بخفض إنتاجها نصف مليون برميل يومياً، وباقي دول "أوبك" بالنصف مليون الباقي.

وكذلك أبدت روسيا الاتحادية التي يهمها رفع أسعار النفط بالتجاوب مع "أوبك"، وتخفيض إنتاجها، ما يجعل من الصعب على شركات النفط الأميركية تعويضه.

ولكن الرئيس الأميركي كان يهدف من خفض أسعار النفط إلى دعم العقوبات الاقتصادية ضد إيران، خصوصا عندما لم يستطع أن يمنعها من التصدير كليا، وأبقى الحق مؤقتاً لثماني دول في استيراد النفط الإيراني.

وثانيها أنه يريد تعزيز موقفه من روسيا، ومن بعض دول أميركا اللاتينية، خصوصا المكسيك والأرجنتين وفنزويلا.

وتواجه الإدارة الأميركية مجموعة من التناقضات البنيوية في قراراتها، فلذلك تسعى إلى إعادة تفصيل تلك القرارات، بما يوائم أهدافها المتضاربة، أي أنها تحاول ضرب إيران اقتصاديا، من دون الإضرار بالصين أو كوريا أو اليابان أو بعض حلفائها الأوروبيين.

وما مكّن الإدارة الأميركية من فرض كلمتها على المملكة العربية السعودية هي بالطبع تطورات قضية اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.

وقد أحدثت تجليات هذه القصة، مع إدارتها بدرجة محدودة من الكفاءة من الحكومة السعودية، فتح الباب على مصراعيه أمام الضغوط من الحليف قبل العدو، لكي يحصل على موافقاتٍ وتنازلاتٍ، لا تصب في المصلحة الوطنية أو السلطوية في المملكة.

ولذلك، ستثور في الأيام المقبلات، بدءاً من تاريخ كتابة هذه السطور إلى أسبوعين أو ثلاثة، أسئلة كثيرة. وحيال إضعاف موقف الإدارة الأميركية، والرئيس دونالد ترامب تحديداً، حيال خصومه السياسيين من الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهوري داخل الولايات المتحدة، فهل سيبقى صامداً حيال هذه الضغوط، خصوصاً إذا تبين أن تقرير اللجنة الخاصة برئاسة المحقق روبرت مولر، والتي تدقق في دور روسيا في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأميركية عام 2016، يقترب من إدانة الرئيس أو رجالاته المقربين منه؟

وإذا ضعف موقف الرئيس ترامب، فهل يساوم بعد ذلك مع خصومه على تغيير ولاية العهد في المملكة العربية السعودية؟

وماذا سيقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الفترة المقبلة، عن الجهة العليا التي يشار إليها بدون تحديد أسماء، والتي أصدرت الأوامر بقتل خاشقجي؟

إذا كانت هنالك إدانة واضحة، فإن الثمن ربما يكون إيقاف الحرب في اليمن، ولو لأسباب سياسية، ومنع تصدير السلاح إلى المملكة، وفرض عقوبات اقتصادية نوعية ضد بعض الأشخاص المرتبطين بقضية خاشقجي، أو ربما أكثر من ذلك.

مصير ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، صار مرتبطاً بمستقبل الرئيس الأميركي. ولا أقول إن الأمور قد حسمت، وقد تبقى تتدحرج بين صالح فريقٍ على حساب فريق. ولكن من الواضح أن المؤشرات التي يقرأها كثيرون من قادة العالم تفيد بأنهم يراهنون على تغيير كبير في المملكة العربية السعودية.

ويلاحظ أن أعضاء الكونغرس الجمهوريين، أمثال ليندسي غراهام وراند بول وبول كوركر، قد اتخذوا موقفاً عدائياً من بن سلمان، وربما يلحقهم آخرون من الحزب نفسه، خصوصا إذا لمسوا أن غالبية سكان مناطقهم الانتخابية يرون في بشاعة الصور التي وزعت عن جريمة تقطيع جسد خاشقجي انتهاكاً صارخاً، ما سيدفع النواب وأعضاء مجلس الشيوخ إلى مراعاة دوائرهم الانتخابية على حساب علاقاتهم مع الرئيس ترامب، أو الأمير محمد بن سلمان.
المساهمون