لم يكتفِ الجيش المصري بتأخيره موسم الصيد في بحيرة البردويل في محافظة شمال سيناء، على خلفيّة العملية العسكرية الشاملة، بل عمد إلى إنهاء الموسم مبكراً. وقد تلقّى الصيّادون أمراً بعدم الدخول إلى البحيرة بعد إخراجهم منها بالقوة في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، الأمر الذي أحدث حالة من السخط بينهم، علماً أنّهم كانوا يعوّلون على نهاية الموسم لتعويض ما فاتهم بسبب العملية العسكرية التي انطلقت في فبراير/ شباط الماضي وما زالت مستمرة.
أحمد حسين صيّاد من مدينة بئر العبد، يخبر "العربي الجديد" أنّ "موسم الصيد في بحيرة البردويل يبدأ عادة في 25 إبريل/ نيسان وينتهي في 31 ديسمبر/ كانون الأوّل من كل عام. وقد أغلقت البحيرة أمام الصيد مع بدء العملية الشاملة، من دون الأخذ بعين الاعتبار أنّ ذلك القرار هو بمثابة قطع رزق أربعة آلاف صياد وأكثر من ألف عامل في مجال خدمات معاونة الصيّادين، إلى جانب توقّف ألفٍ و228 مركب صيد عن العمل. هكذا، بقي العاملون في مجال الصيد بلا مصدر دخل منذ نهاية عام 2017 وحتى مطلع أغسطس/ آب الماضي". ويشرح حسين أنّ "افتتاح موسم الصيد في هذه البحيرة تأخّر من إبريل/ نيسان إلى أغسطس/ آب، أي لمدّة أربعة شهور بسبب الحصار الذي كان مفروضاً على سيناء بما في ذلك البحيرة، قبل أن تخرج قوات البحرية المصرية الصيّادين منها بالقوة، بحجّة صدور قرار بإغلاق موسم الصيد ابتداءً من 30 نوفمبر/ تشرين الثاني وحتى بداية الموسم الجديد في فبراير/ شباط من العام المقبل. وذلك من دون توضيح سبب هذا القرار المفاجئ الذي قصّر الموسم شهراً إضافياً. وهو الأمر الذي أدّى إلى مفاقمة أزمة الصيّادين في سيناء".
ويشير حسين إلى أنّ "القرار العسكري الجائر في حقّ الصيّادين يأتي في ظلّ عدم التفات الجهات الحكومية المختصة، بما فيها محافظة شمال سيناء، إلى الصيّادين المتضررين. هم لم يتلقوا أيّ تعويضات حكومية على الرغم من كل ما تعرّضوا له على مدى الأعوام الخمسة الماضية التي شهدت فيها سيناء عمليات عسكرية متلاحقة للجيش المصري. بالتالي، يُضاف ملفّهم إلى ملفات آخرين من مواطنيهم تضرروا بسبب تلك العمليات المجحفة بحق المحافظة".
وبحيرة البردويل ثاني أكبر بحيرات مصر بعد بحيرة المنزلة (تقع على ضفافها أبع محافظات هي الدقهلية وبورسعيد ودمياط والشرقية) وقبل بحيرة البرلس (في محافظة كفر الشيخ)، من أهم مصادر الثروة السمكية في سيناء ومصر عموماً. وبحسب بيانات غير رسمية، يتخطّى متوسّط إنتاج الأسماك فيها ألفَين و240 طناً، معظمه من الأسماك ذات القيمة الاقتصادية العالية، من قبيل أسماك الشعاب المرجانية وفصيلة البوريات.
في السياق، يقول أحد العاملين في إدارة البحيرة الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد"، إنّ "موسم الصيد لهذا العام هو الأسوأ إذ إنّنا خسرنا خمسة شهور من أصل تسعة"، مشيراً إلى أنّ "إدارة البحيرة لا تملك أيّ قوّة أمام القرارات العسكرية الصادرة عن قيادة عمليات الجيش المصري في سيناء. وما يجري يُعَدّ قراراً جائراً بحقّ الصيّادين، ولا يراعي الظروف الصعبة التي تعانيها هذه الفئة. هي تعتاش من عملها في الصيد منذ عقود، وفي حال توقّف الصيد بصورة غير اعتيادية تصير عائلات الصيّادين (والعاملين في المجال ككل) من دون مصدر دخل".
ويتابع العامل في إدارة البحيرة نفسه، أنّ "حالة من السخط سادت أوساط الصيّادين على أثر القرار العسكري وإخراجهم بقوة السلاح من البحرية، من دون تبرير الخطوة المفاجئة، ووقف الموسم قبل شهر كامل من الموعد المقرّر مسبقاً. وصار الصيّادون يطالبون إمّا بتراجع عن القرار وإمّا بتعويضات مالية للخسائر التي سوف تلحق بهم نتيجة توقفهم عن العمل حتى إبريل/ نيسان المقبل، لا سيّما في ظلّ عدم توفّر فرص عمل أخرى لهؤلاء في سيناء. يُذكر أنّ الشهر الأخير من الموسم يمتاز عادة بوفرة أكبر في الأسماك بالمقارنة مع الشهور الأخرى".
لم تعقّب محافظة شمال سيناء على القرار الصادر عن وزارة الدفاع المصرية، وتركت الصيّادين في حيرة من أمرهم في ظلّ عدم قدرتهم على منازعة قوات الجيش المصري في قراراته. في الوقت نفسه، يُسجَّل غياب للاهتمام الحكومي بهذه الشريحة التي تتعرّض لأزمة إضافية، تماماً مثل سواها من الشرائح في محافظة شمال سيناء. ويُصار الحديث عن أزمات المزارعين الذين فقدوا مصدر دخلهم بعد تجريف الجيش المصري مزارعهم، والسائقين الذين باتوا يضطرون إلى الوقوف على مدى ساعات أمام محطات الوقود من أجل الحصول على حصّة أسبوعية لا تكفيهم في عملهم، وغيرهم من أبناء سيناء.