صيد السمك في مصر... من هواية إلى مهنة لمواجهة الغلاء

28 اغسطس 2018
عند الفجر يعودون إلى ضفافهم لاصطياد الأسماك (Getty)
+ الخط -

كثيرون هم المصريون الذين راحوا يبحثون عن مورد رزق إضافي، وسط الأوضاع المعيشية الصعبة التي تتهدّدهم. صيد السمك من المجالات التي لجأوا إليها، لعلّهم يفلحون في تحصيل مدخول ثانٍ. عبد المعبود من هؤلاء الذين احترفوا السنّارة.

لم يكن عبد المعبود، مدرّس التاريخ في إحدى مدارس القليوبية، شمال مصر، يتوقّع أن يحين ذلك الوقت الذي تتحوّل هوايته المفضلة إلى مهنة. هو كان يحمل سنّارته والطُعوم ويذهب لاصطياد السمك في أحد أفرع النيل الذي يبعد عن قريته ثلاثة كيلومترات. أمّا اليوم فيسلّم بأنّ "دوام الحال من المحال".

قبل زمن، لم يكن الصياد الهاوي يكترث بكمية الأسماك التي يصطادها ولا حجمها ولا نوعها، بل همّه الأول كان ممارسة الهواية التي تبعده عن "القيل والقال والنميمة بين الناس وأن يظل ذهني صافياً" بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد". يضيف: "كنت أتأمل وأنا أصطاد السمك وأحمل معي كتاباً أو مجلة أقرأهما وأنا أستمتع بماء النيل العذب وجريانه"، في حين يشير إلى أنّه كان يصطاد كميّة كبيرة من السمك يخصّص جزءاً منها لأهل بيته والجزء الآخر لبعض الجيران والأصدقاء.

ويتابع عبد المعبود أنّه "في ظل الغلاء الفاحش ودخلي الضئيل وعدم رغبتي في الاتّجار بالدروس الخصوصية، وجدت أنّ الحياة تغلبني وأسرتي. ولأنّني أرفض التنازل عن مبدئي، تحوّلت هواية إلى مهنة لكسب الرزق واستكمال تلبية متطلبات الحياة في ظل الغلاء الذي يداهم كل بيت بلا رحمة". ويستنكر "الدعوة إلى ربط البطون والصبر حتى يتمّ الرخاء، وهو ما لم نسمع به قبل أن تتحول الدولة إلى مشروع جباية تأخذ بكل سبل الاحتيال ما في جيب المواطن. راتبي على سبيل المثال ألف جنيه مصري (نحو 60 دولاراً أميركياً) ومطلوب مني أن أعيش بخمسة آلاف (نحو 280 دولاراً). كيف يكون ذلك؟!".




ويخبر عبد المعبود: "تحوّلت من هاوٍ لصيد السمك إلى محترف يبحث عن مزيد من الدخل عبر مزيد من السمك. ورحت أقرأ عن أساليب اصطياد السمك بالسنّارة والأماكن الفضلى لذلك وكذلك أماكن تجمّع الأسماك وكيف أجذبها إلى سنّارتي". يضيف: "اكتشفت أنّ "اصطياد السمك واحترافه عالم آخر يستدعي الغوص فيه، وأنّ مجرّد الهواية ما هي إلا إضاعة للوقت في التسلية والترفيه، خصوصاً إذا لم تكن تمتلك قارباً للصيد ولا المقدرة على شراء واحد".

ويكمل عبد المعبود سرده، قائلاً: "بدأت أصطاد السمك باحتراف، فكنت أذهب ليلاً إلى المكان المحدد وأرمي الطُعم وكل ما يجذب الأسماك إلى التجمّع حوله، وفي الصباح أعود لاصطيادها. هكذا، اكتشفت عالماً غريباً وعجيباً. فأنتَ حين تصادف رجلاً يجلس على حافة النهر ويرمي سنّارته في الماء، تظنّ للوهلة الأولى أنّه يضيّع وقته ويسلّي نفسه، لكنّ وراء كل صياد بالسنّارة قصة. أبو محمد على سبيل المثال، يأتي من إمبابة وهو رجل على المعاش يعيش وحده بعد أن زوّج أبناءه الأربعة. ولأنّ معاشه لا يكفيه، اضطر إلى الصيد لعلّه يمتهن عملاً ما بدلاً من الشعور بأنّه ينتظر الموت، أو أن يجلس في المقاهي لإضاعة الوقت. أمّا رمضان، فهو موظف في مجمّع التحرير، يصطاد السمك في الليل ويبيعه، بينما يستغل أيام الإجازات ليقضي وقتا أطول مع سنّارته. من جهته، كان الحاج ربيع ضابط شرف في القوات المسلحة وخرج على المعاش، فصار يضع مستلزمات الصيد في سيارته القديمة ويأتي لاصطياد السمك من منطقة المرج بالقاهرة".



الأمثلة والحالات كثيرة، بحسب ما يؤكد عبد المعبود أو عبود مثلما يناديه الجميع، الذي يوضح أنّ "العالم الممتع الذي أعيش فيه وأصدقائي من هواة الصيد أو محترفيه على حد سواء، جعلني أكثر هدوءاً نتيجة عدم الاحتكاك بالناس والغوص في مشاكل الحياة وصخبها المستمر". ويلفت إلى أنّه "عندما بدأت أصطاد كمحترف، كنت أجمع نحو عشرة كيلوغرامات يومياً، وأحياناً 15 كيلوغراماً حين أقضي وقتاً أطول في الصيد، خصوصاً في أيام الإجازات، وبعدما صار لي مكان محدد على النهر أرمي فيه الطُعوم الجاذبة للأسماك. ونحن كصيادين نحترم بعضنا بعضاً، كلّ واحد له مكانه المحدد وإذا انتقل إلى مكان آخر يُعلِم أصدقاءه حتى ينتفع أحدهم من ذلك القديم أو يفِد إليه صياد جديد. فكلّ مهنة لها أصول، والصيادون بالسنانير يتشابهون في أخلاقهم. ليس لديهم مطمع إلا أن يمنّ الله عليهم بكمية من السمك تكفي قوت يومهم، وما يفيض يعمدون إلى بيعه لسدّ احتياجات الحياة الضرورية".

بالنسبة إلى عبد المعبود، فإنّ "كثيرين من المصريين يلجأون إلى اصطياد السمك ويمارسونه كمهنة. على كل ترعة أو عند كل مصرف أو على ضفاف النهر، سوف تجد صيادي سمك بالسنانير يحملون معهم طعامهم والطُعوم الخاصة بالأسماك التي يطمعون في اصطيادها".