14 أكتوبر 2024
صيدلي.. يا صيدلي
يعيش العالم المتقدم يقظةً صحيةً واسعة، تعاظم فيها إدراك البشر، في كل مكان، ضرورة العودة والاستعانة بمفردات أمنا الطبيعة السخية المعطاءة، كونها المصدر الوحيد للشفاء. وقد ظهرت، في السنوات العشرين الأخيرة، مدارس عديدة في علم الطب البديل، تقوم على الاستعانة بما تجود به الأرض من دواء طبيعي، تؤكد عبر الدراسة والتجربة أنه يصلح لعلاج الأمراض، حتى المستعصي منها. وتؤكد على قدرة الجسد على شفاء نفسه ذاتياً، بالتركيز على الجانب النفسي، وتعوّل بشكل أساسي على الطاقة الإيجابية الكامنة، وتصر على إطلاقها، باعتبارها وسيلةً مثلى لإعادة برمجة عمل الدماغ، سعياً إلى الخلاص من الأمراض، من دون حاجةٍ إلى تعريض الجسد للتراكيب الكيماوية، غير واضحة المكونات، المضرّة حتماً على المدى البعيد.
لا يخلو طرح كهذا، على وجاهته، من مغالاةٍ وتطرّف. وفيه تقليل من شأن منجزات علمية كبرى، أحدثت ثورةً جذرية في العالم، وأنقذت ملايين من الأرواح، كانت تحصد بالجملة، بفعل انتشار أوبئة انقرضت، بفضل جهود علمية خارقة، لا يمكن وبأي حال إنكار أثرها على البشرية، إذ لا يمكن تصور حالنا في عالم يخلو من الدواء.
وتفرض دول العالم المتقدم، الحريصة على صحة مواطنيها، قوانين صارمة، فيما يتعلق بسياساتها الدوائية التي تتميز بالتشدّد، سعياً إلى ضبط عمليات التعاطي بالأدوية، كما يعتبر تخصص الصيدلة من أهم الاختصاصات، وأكثرها خطورةً، لأنه يتعامل مباشرةً مع صحة الإنسان.
وتحول تلك القوانين، من خلال آليات الرقابة الصارمة، دون انتشار الفوضى المحتملة في هذه السوق، فائقة الحساسية. وبالنتيجة، تسعى إلى حماية الأرواح، وتجنيبها التعرّض للخطر المترتب على الاستخدام غير المدروس للأدوية.
وتلزم هذه القوانين قطاع الصيادلة توخّي أقصى درجات الحيطة والحذر في هذا الشأن، فلا يسمح بصرف أبسط أنواع الأدوية، من دون وصفة طبية. ولا يمكن بيع الدواء تحت أي ظرف لقاصر. وقد حدث أن وجدت نفسي في بريطانيا، ذات زيارة، عرضةً لتحقيق شبه جنائي، تحت طائلة الاشتباه بالإدمان الذي يستدعي تدخلاً عاجلاً، إذ سوّلت لي نفسي التفكير في شراء أكثر من علبة مسكن للصداع النصفي، خدمة لصديقة.
الصورة لدينا في معظم بلاد العرب أوطاني مغايرة، وقد لمسته في أكثر من عاصمة عربية، بحيث يبدو أننا جميعا (ما شالله وعين الله تحرسنا من عين الحسود التي فيها عود) نحمل، ومن دون استثناء، مؤهلاً عاليا في علم الصيدلة، خبراء كيمياء بالفطرة. ولدينا القدرة كذلك، بل والجسارة، لتقرير نوع الدواء اللازم، من دون الحاجة لمراجعة الطبيب. ليس ذلك فحسب، بل لا نتوانى عن تقديم المشورة الطبية للآخرين، بدواء جرّبناه سابقاً، مؤكّدين بثقةٍ، ليس لها ما يبرّرها، على أنه (وحدة بوحدة). في تطبيق عملي للمثل الشعبي القائل "اسأل مجرّب ولا تسأل طبيب"، علماً أن هذا المثل يرمي إلى الإعلاء من قيمة التجربة الإنسانية عموماً.
وما يزيد من قتامة الصورة أن صيادلةً كثيرين يقدمون على بيع معظم أصناف الأدوية من دون التحقق، ولو على سبيل رفع العتب، من وجود وصفة طبية. وبالتالي، في وسع أي مواطن أردني، مثلاً، ابتياع أنواع المهدّئات والمسكنات كافة، إضافة إلى مختلف أنواع المضادات الحيوية، حتى الأدوية المضادّة للاكتئاب التي تبيعها كبريات الصيدليات ببساطة من يبيع علبة "علكة".
ثمّة نموذج من الصيادلة بلا ذمة ولا ضمير، لا يتردّدون في بيع أدوية السعال لصبية يعرفون جيداً أنهم مدمنون على هذا النوع من الأدوية رخيصة الثمن، كفيلة بإيصالهم، بسهولة ويسر، إلى مرحلة الانتشاء، ويعلّقهم إلى الأبد في فخ الإدمان والتعاطي.
وعند تأمل اللوائح والتعلميات الصادرة عن وزارة الصحة، ونقابة الصيادلة خصوصاً، نستنتج أنها رادعة وفعالة. ولكن، على الورق فقط. وعلى مستوى الواقع، لا يمكن لأي جهةٍ رقابيةٍ، مهما بلغت من كفاءةٍ وجاهزيةٍ في التصدّي منفردة لهذه الظاهرة السلبية، لأنها متعلقةٌ، أولاً، بدرجة وعي أفراد المجتمع، وبالضمير المهني للصيدلاني المؤتمن على أرواح الناس.
وهذه مسألةٌ لا يمكن ضبطها بقرارٍ رسمي في جميع الأحوال.
لا يخلو طرح كهذا، على وجاهته، من مغالاةٍ وتطرّف. وفيه تقليل من شأن منجزات علمية كبرى، أحدثت ثورةً جذرية في العالم، وأنقذت ملايين من الأرواح، كانت تحصد بالجملة، بفعل انتشار أوبئة انقرضت، بفضل جهود علمية خارقة، لا يمكن وبأي حال إنكار أثرها على البشرية، إذ لا يمكن تصور حالنا في عالم يخلو من الدواء.
وتفرض دول العالم المتقدم، الحريصة على صحة مواطنيها، قوانين صارمة، فيما يتعلق بسياساتها الدوائية التي تتميز بالتشدّد، سعياً إلى ضبط عمليات التعاطي بالأدوية، كما يعتبر تخصص الصيدلة من أهم الاختصاصات، وأكثرها خطورةً، لأنه يتعامل مباشرةً مع صحة الإنسان.
وتحول تلك القوانين، من خلال آليات الرقابة الصارمة، دون انتشار الفوضى المحتملة في هذه السوق، فائقة الحساسية. وبالنتيجة، تسعى إلى حماية الأرواح، وتجنيبها التعرّض للخطر المترتب على الاستخدام غير المدروس للأدوية.
وتلزم هذه القوانين قطاع الصيادلة توخّي أقصى درجات الحيطة والحذر في هذا الشأن، فلا يسمح بصرف أبسط أنواع الأدوية، من دون وصفة طبية. ولا يمكن بيع الدواء تحت أي ظرف لقاصر. وقد حدث أن وجدت نفسي في بريطانيا، ذات زيارة، عرضةً لتحقيق شبه جنائي، تحت طائلة الاشتباه بالإدمان الذي يستدعي تدخلاً عاجلاً، إذ سوّلت لي نفسي التفكير في شراء أكثر من علبة مسكن للصداع النصفي، خدمة لصديقة.
الصورة لدينا في معظم بلاد العرب أوطاني مغايرة، وقد لمسته في أكثر من عاصمة عربية، بحيث يبدو أننا جميعا (ما شالله وعين الله تحرسنا من عين الحسود التي فيها عود) نحمل، ومن دون استثناء، مؤهلاً عاليا في علم الصيدلة، خبراء كيمياء بالفطرة. ولدينا القدرة كذلك، بل والجسارة، لتقرير نوع الدواء اللازم، من دون الحاجة لمراجعة الطبيب. ليس ذلك فحسب، بل لا نتوانى عن تقديم المشورة الطبية للآخرين، بدواء جرّبناه سابقاً، مؤكّدين بثقةٍ، ليس لها ما يبرّرها، على أنه (وحدة بوحدة). في تطبيق عملي للمثل الشعبي القائل "اسأل مجرّب ولا تسأل طبيب"، علماً أن هذا المثل يرمي إلى الإعلاء من قيمة التجربة الإنسانية عموماً.
وما يزيد من قتامة الصورة أن صيادلةً كثيرين يقدمون على بيع معظم أصناف الأدوية من دون التحقق، ولو على سبيل رفع العتب، من وجود وصفة طبية. وبالتالي، في وسع أي مواطن أردني، مثلاً، ابتياع أنواع المهدّئات والمسكنات كافة، إضافة إلى مختلف أنواع المضادات الحيوية، حتى الأدوية المضادّة للاكتئاب التي تبيعها كبريات الصيدليات ببساطة من يبيع علبة "علكة".
ثمّة نموذج من الصيادلة بلا ذمة ولا ضمير، لا يتردّدون في بيع أدوية السعال لصبية يعرفون جيداً أنهم مدمنون على هذا النوع من الأدوية رخيصة الثمن، كفيلة بإيصالهم، بسهولة ويسر، إلى مرحلة الانتشاء، ويعلّقهم إلى الأبد في فخ الإدمان والتعاطي.
وعند تأمل اللوائح والتعلميات الصادرة عن وزارة الصحة، ونقابة الصيادلة خصوصاً، نستنتج أنها رادعة وفعالة. ولكن، على الورق فقط. وعلى مستوى الواقع، لا يمكن لأي جهةٍ رقابيةٍ، مهما بلغت من كفاءةٍ وجاهزيةٍ في التصدّي منفردة لهذه الظاهرة السلبية، لأنها متعلقةٌ، أولاً، بدرجة وعي أفراد المجتمع، وبالضمير المهني للصيدلاني المؤتمن على أرواح الناس.
وهذه مسألةٌ لا يمكن ضبطها بقرارٍ رسمي في جميع الأحوال.