صيدا.. قلعتها البحرية وسط حيتان اليابسة

23 سبتمبر 2014
قلعة صيدا تستقطب القسم الأكبر من زوّار المدينة
+ الخط -

مدينة صيدا جنوب لبنان، التي اشتهرت بالمعارك المذهبية خلال السنوات الأخيرة، لها وجه آخر، جميل، منفتح على الحضارات وليس فقط على باقي المناطق اللبنانية. فهذه المدينة تشتهر بتاريخها العريق، وبمعالمها السياحية الأثرية، وبصراعها مع أعدائها وعنادها مع غزاتها، وبالبحر الشاهد على صمودها وعلى عرق الصيادين والحِرفيين، وبتنوّعها الحضاري. وزوّارها سيجدون الكثير من المعالم التي يمكنهم زيارتها. لكنّ قلعة صيدا البحرية تستقطب القسم الأكبر من الزوّار، إلى جانب "خان الإفرنج" والأسواق القديمة.
تدخل إلى القلعة عبر جسر حجري نُصِب فوق مياه البحر القليلة الراكدة. خطوات قليلة إلى الأمام ويطالعك مدفع حديدي يعلوه الصدأ قبل أن تعبر الجسر الخشبي المؤدّي إلى مدخل القلعة. وعندما تطأ قدماك أوّل القلعة تجد نفسك تمشي فوق صخور صغيرة تشكّل ممراً فرديّاَ، تحيط به الرمال من كلّ مكان.
ثم تصل إلى الباحة الخارجية، حيث ترى كيف يعجّ المكان بالزوار، من أجانب وعرب ولبنانيين على حدّ سواء. وتحت إحدى القناطر الأثرية المطلّة على مدينة صيدا شمالاً، يجلس الزائرون، ويراقبون حركة المرفأ، وتجد صيّاداً يصطاد السمك بالصنارة هنا أو أكثر. داخل القلعة تطول الجولة. فبين بعض الأحجار العتيقة نبتت بعض الأعشاب، فيما ينتصب جسر خشبي إلى الجهة الشرقية الشمالية، يؤدّي إلى غرفة صغيرة كانت مخصّصة للحراسة سابقاً. وفي المقلب الجنوبي الشرقي جسر خشبي آخر عند آخره، يقف مندوب وزارة السياحة يقدّم إلى السياح بعض المعلومات عن القلعة، قبل أن يدخلوا إلى بهو كبير يطلّ على المدينة لجهة الشرق والجنوب والغرب، وفي وسطه صخرتان فوق حفرة صغيرة، نوافذها الحديدية مطلّة على مدينة صيدا. وإلى جانبها يرتفع درج داخلي يقود إلى سطح القلعة. وهناك يبدو المشهد ساحراً وخلاباً وأنتَ تنظر إلى المدى البعيد، وسط زرقة السماء ومياه البحر ومباني المدينة وجزيرة "الزيرة" التي تعجّ بالسابحين. "قلعة صيدا البحرية" لها سحرها الخاصّ. فتاريخها مزيجٌ من حضارات عديدة مرّت عليها، من الصليبيين إلى الإنكليز والإسبان، لكن في الوقت نفسه تجمع بين أحضانها برجاً إسلامياً، وفق ما جاء في اللوحة الرخامية التي تعلو نافذة البرج المشرفة على ساحة القلعة، الذي تطل واجهته الجنوبية على مدينة صيدا. يخيّل إلى أي زائر لمدينة صيدا أنّه يدخل إلى مدينة تعود معظم أبنيتها إلى القرنين 18 و19، ويزيد عمر بعضها عن سبعة قرون.
ومن أبرز تلك البنايات هذه القلعة التي بناها الصليبيون في العام 1228 بعد الميلاد، على مدخل المدينة. وهي شُيّدت على جزيرة صخرية تبعد 80 متراً من الشاطئ تقريباً، ويربطها بالشارع البحري جسر صخريّ مبني فوق تسع قناطر. وتزيّن مدخل القلعة أحجار سوداء منحوتة، يقع داخلها مسجد بناه الأشرف خليل بن قلاوون وجدّده الأمير اللبناني فخر الدين المعنيّ. وأيضاً كان يربطها، في السابق، بالمدينة، نفق يمرّ تحت الماء، وفق ما يشير المؤرّخون.
المساهمون