كان صيادون في ميناء صغير بشمال أفريقيا يقومون باصطياد أسماك القاروص والدنيس البحرية في شباكهم، لكنهم تركوا ذلك وبدأوا في اصطياد ونقل شيء آخر، إنهم المهاجرون غير الشرعيين الذين يفرون من الحرب التي دمرت ليبيا على متن قوارب متهالكة.
شمس الدين بوراسين، صياد تونسي في الخمسينيات من العمر، وزملاؤه يتصدرون المشهد ضمن كارثة إنسانية متزايدة مع ارتفاع أعداد رحلات الهجرة غير الشرعية عبر البحر والمتجهة إلى إيطاليا.
الصيادون يبذلون قصارى جهدهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن بوراسين يقول إن جهدهم سرعان ما يفشل بسبب العدد الهائل للمهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط والذين يتطلعون إلى حياة جديدة في أوروبا.
يقول بوراسين "اليوم أمتلك الوسائل لإنقاذ 107 أشخاص، لكني سأخسر ثلاثة آلاف دينار تونسي (1.750 دولار). ربما لا أستطيع القيام بذلك غدا. هناك أشخاص يعملون معي. إذا توقفت عن العمل مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث، سيصبح ذلك عبئا كبيرا على عاتقي".
ويضيف أنه أنقذ أكثر من ألف مهاجر في أربع مرات بواسطة مركبه، ومرتين منذ الثورة الليبية عام 2011.
ولم يحصل بوراسين والصيادون الآخرون على أي تكريم بسبب إنقاذ المهاجرين، لكنهم يتفهمون السبب الذي يدفع المهاجرين للقيام بذلك. ويقول إن إنقاذ المهاجرين ليست مهنته وأنه يشعر بنقص دعم منظمات الإنقاذ والسلطات الحكومية للمهاجرين.
منصور بن شوكيكة، وهو صياد في الخمسينيات، توقف بينما كان ينظف سفينة الصيد التي يمتلكها لوصف مشاهد مروعة شهدها قبالة سواحل مدينة جرجيس، التي تبعد ثمانين كيلومترا فقط عن الحدود الليبية.
وقال إنه شاهد جثثا طافية ومتحللة في البحر المتوسط، بعضها بدون رأس. وأضاف "عثرنا عليهم موتى لكننا لم نعلن ذلك. إذا كانت هناك جثة في الماء ونحن على بعد ست أو سبع ساعات من اليابسة، لا يمكننا حملها على متن قواربنا".
ولا يحصي الصيادون عدد المهاجرين الذين حملوهم في قواربهم، أحياء كانوا أو أمواتا. لكن كان هناك إجماع على أن هذه الأعداد في ارتفاع.
"في يوم ما، حملت على قاربي 107 أشخاص في يوم واحد، مات ثلاثة أو أربعة منهم أمام عيني، لقد سقطوا في المياه ولم يكونوا يجيدون السباحة. ثباتي على القارب لم يسمح لي باتخاذ أي تصرف. وجود 107 أشخاص يعتبر خطرا كبيرا على طاقمي"، حسب ما قال بوراسين. ويشكو الصيادون من غض السلطات طرفها عن القضية.
وخلافا للضجة الإعلامية التي صاحبت كارثة غرق قارب قبالة سواحل جزيرة لامبيدوسا جنوبي إيطاليا في أكتوبر/تشرين الأول 2013، والتي راح ضحيتها ما يقرب من 400 مهاجر عند انقلاب قاربهم، لم تتم الإشارة لكوارث مماثلة في تونس.
ويقول الصيادون إنهم شاهدوا نحو ثلاثين قاربا لمهاجرين غير شرعيين يتجهون إلى إيطاليا يوميا، الطاقة الاستيعابية لكل واحد منها بين خمسين و250 شخصا، لكن من الصعب الحصول على أرقام دقيقة.
وتحاول منظمات مثل الهلال الأحمر مساعدة بعض المهاجرين الذين يتم إنقاذهم من قبل قوات خفر السواحل التونسية. وقال مسؤول في الهلال الأحمر التونسي إنهم بدأوا رعاية نحو 400 مهاجر عقب إنقاذهم، لكن هذا لا يعكس العدد الحقيقي للمهاجرين الذين أنقذوا من البحر.
من جانبها، كثفت القوات البحرية الإيطالية جهود إنقاذها منذ كارثة لامبيدوسا. فقد أعلنت يوم الإثنين إنقاذ أكثر من ثلاثة وتسعين ألف مهاجر غير شرعي منذ بداية العام. ورغم المخاطر، يرى المهاجرون هذه الرحلة هي الخيار الوحيد أمامهم.
أبو بكر بودجان مواطن من جامبيا استطاع الوصول إلى ليبيا العام الماضي، ويبحث منذ شهرين عن قارب يوصله إلى أوروبا لكن قوات خفر السواحل اعتقلته في البحر، وهو الآن عالق في جرجيس ويحاول طلب اللجوء بمساعدة الهلال الأحمر.
أحلامه بسيطة: أن يعيش حياة طيبة ويحصل على وظيفة في أي دولة. ويقول "أي مكان أمتلك فيه حريتي جيد. سواء هنا في ليبيا أو في إيطاليا أو أي مكان آخر".