السؤال حول الصيد البري يطرحه كثيرون في لبنان أخيراً عقب قرار وزير البيئة فتح موسم الصيد بعد عشرين عاماً من الإغلاق المستمر، لذلك، فالمطلوب إجابة علمية.
بدأ الصيد مع الإنسان منذ بداياته من أجل الحصول على الغذاء. وكان الفرد يتعلم الصيد من أبيه وأقاربه. تأصلت العادة في النفوس إلى درجة استمر فيها الصيد كرياضة نبيلة حتى بعد اكتشاف الإنسان مصادر غذائية عديدة تغنيه عن صيد الحيوانات والطيور، واستمر الصياد يتعلم من أبيه وأقاربه. وفي لبنان، على وجه الخصوص، انقطعت هذه الصلة بين الأبناء والآباء خلال الحرب الأهلية (1975 - 1990)، وبعد هذه الأحداث حين مرت البلاد بهزات أمنية مترددة، فكانت النتيجة جيلاً جديداً من القوّاصين الذين لا يفقهون معنى الصيد ويقتلون الطيور لمجرد الرغبة في قتلها، غير آبهين إن كانت نادرة وعلى شفير الانقراض أو كانت تساعد البشر على التخلص من آفاتهم الزراعية، وتتولى عمليات التحريج حتى في أبعد الأماكن التي يصعب على الإنسان الوصول إليها.
الأسوأ من ذلك أنّ هؤلاء قد يصطادون بعضهم بعضاً أو أفراداً من أسرهم جراء جهلهم حمل البندقية. فهل يفقهون معنى الصيد البري الحديث الذي يستند إلى دراسات علمية وأسس الاستدامة والعلم بأهمية الشيء؟
نحتاج إلى صيادين وليس إلى قوّاصين، لكي يساعدوا على جعل الصيد مستداماً ومنظماً ومسؤولاً، ولكي يساهموا في توازن الأنظمة الإيكولوجية في البلاد. فعندما تنحسر أعداد نوع معين وتتدهور إلى حد وصولها إلى حافة الانقراض، يجب الامتناع عن صيدها والسعي إلى حمايتها ومساعدتها على الاستمرار. وإذا ما تكاثرت أعداد نوع آخر وأصبح هذا النوع عبئاً على المحاصيل الزراعية فيجب على الصياد أن يساعد الدولة في تنفيذ قراراتها من خلال صيد ما هو مطلوب بالكميات المحددة لكلّ صياد. ولكي يقوم الصياد بواجبه ويصبح الصيد نعمة، عليه أن يتعرف جيداً على الأنواع التي يسمح له بصيدها وألّا يعيد تكرار ما حصل بالقرب من مطار بيروت الدولي عندما هجم الصيادون على الطيور البحرية من دون تمييز بينها وأخذوا يصطادون أيّ نوع كان، حتى المهدد بالانقراض، أو ما لا يؤثر على سلامة الطيران، وحتى الدوريّ لم يسلم من بنادقهم.
لا شك أنّ الصيد نعمة إذا ما استخدم بطريقة حضارية كان يستخدمها كبار السن لدينا. نعم كان كبار السن في شبابهم متحضرين أكثر من شبابنا في هذا العصر، وكانوا صيادين بكلّ ما للكلمة من معنى. نحن بيئيون لكنّنا مع الصيد المسؤول والمنظم والمستدام الذي يحافظ على الأنواع المفيدة للبيئة والإنسان ويصطاد بقدر محدد الأنواع المضرة - إذا كثر عددها - بالمزروعات ومحاصيلها.
لا نتفاءل كثيراً بأن ينتقل القوّاص إلى رتبة صياد بسرعة، لأنّ التوعية البيئية تلزمه ليصحح مساره، لكنّها للأسف توعية تنمو ببطء شديد. وإلى أن تنمو هذه التوعية، علينا توقع العجائب من شعب شغوف بإطلاق النار على كلّ ما يطير. لقد شاهدت كثيرين يطلقون نيران أسلحة الصيد لديهم على يافطات منع الصيد وعلى الفراشات والخفافيش والدبابير وبراعم أغصان الأشجار وعلى أكياس البلاستيك التي يحملها الهواء. وإلى أن يصبح القوّاص صياداً علينا الاستفادة من الأخطاء والثغرات التي يواجهها تطبيق قانون الصيد في لبنان من أجل تعديل وتحديث القانون أكثر وأكثر.
لعلّ هذه السياسة في المتابعة للأخطاء واكتشاف الثغرات هي سياسة بناءة وفريدة من نوعها في عالمنا العربي، خصوصاً أنّ قانون الصيد اللبناني يتفوق على القوانين الأوروبية في مضمونه، بحسب أعضاء جمعية مكافحة إبادة الطيور الأوروبية خلال لقاء لنا معهم في بلدة العاقورة حيث كان يجري تدريب القوى الأمنية على فهم ما هو خلف نصوص قانون الصيد وعلى تحديد الأنواع المسموح بصيدها. تبقى المتابعة جوهر التحسين والتطوير.
(اختصاصي في علم الطيور البرية)
اقــرأ أيضاً
بدأ الصيد مع الإنسان منذ بداياته من أجل الحصول على الغذاء. وكان الفرد يتعلم الصيد من أبيه وأقاربه. تأصلت العادة في النفوس إلى درجة استمر فيها الصيد كرياضة نبيلة حتى بعد اكتشاف الإنسان مصادر غذائية عديدة تغنيه عن صيد الحيوانات والطيور، واستمر الصياد يتعلم من أبيه وأقاربه. وفي لبنان، على وجه الخصوص، انقطعت هذه الصلة بين الأبناء والآباء خلال الحرب الأهلية (1975 - 1990)، وبعد هذه الأحداث حين مرت البلاد بهزات أمنية مترددة، فكانت النتيجة جيلاً جديداً من القوّاصين الذين لا يفقهون معنى الصيد ويقتلون الطيور لمجرد الرغبة في قتلها، غير آبهين إن كانت نادرة وعلى شفير الانقراض أو كانت تساعد البشر على التخلص من آفاتهم الزراعية، وتتولى عمليات التحريج حتى في أبعد الأماكن التي يصعب على الإنسان الوصول إليها.
الأسوأ من ذلك أنّ هؤلاء قد يصطادون بعضهم بعضاً أو أفراداً من أسرهم جراء جهلهم حمل البندقية. فهل يفقهون معنى الصيد البري الحديث الذي يستند إلى دراسات علمية وأسس الاستدامة والعلم بأهمية الشيء؟
نحتاج إلى صيادين وليس إلى قوّاصين، لكي يساعدوا على جعل الصيد مستداماً ومنظماً ومسؤولاً، ولكي يساهموا في توازن الأنظمة الإيكولوجية في البلاد. فعندما تنحسر أعداد نوع معين وتتدهور إلى حد وصولها إلى حافة الانقراض، يجب الامتناع عن صيدها والسعي إلى حمايتها ومساعدتها على الاستمرار. وإذا ما تكاثرت أعداد نوع آخر وأصبح هذا النوع عبئاً على المحاصيل الزراعية فيجب على الصياد أن يساعد الدولة في تنفيذ قراراتها من خلال صيد ما هو مطلوب بالكميات المحددة لكلّ صياد. ولكي يقوم الصياد بواجبه ويصبح الصيد نعمة، عليه أن يتعرف جيداً على الأنواع التي يسمح له بصيدها وألّا يعيد تكرار ما حصل بالقرب من مطار بيروت الدولي عندما هجم الصيادون على الطيور البحرية من دون تمييز بينها وأخذوا يصطادون أيّ نوع كان، حتى المهدد بالانقراض، أو ما لا يؤثر على سلامة الطيران، وحتى الدوريّ لم يسلم من بنادقهم.
لا شك أنّ الصيد نعمة إذا ما استخدم بطريقة حضارية كان يستخدمها كبار السن لدينا. نعم كان كبار السن في شبابهم متحضرين أكثر من شبابنا في هذا العصر، وكانوا صيادين بكلّ ما للكلمة من معنى. نحن بيئيون لكنّنا مع الصيد المسؤول والمنظم والمستدام الذي يحافظ على الأنواع المفيدة للبيئة والإنسان ويصطاد بقدر محدد الأنواع المضرة - إذا كثر عددها - بالمزروعات ومحاصيلها.
لا نتفاءل كثيراً بأن ينتقل القوّاص إلى رتبة صياد بسرعة، لأنّ التوعية البيئية تلزمه ليصحح مساره، لكنّها للأسف توعية تنمو ببطء شديد. وإلى أن تنمو هذه التوعية، علينا توقع العجائب من شعب شغوف بإطلاق النار على كلّ ما يطير. لقد شاهدت كثيرين يطلقون نيران أسلحة الصيد لديهم على يافطات منع الصيد وعلى الفراشات والخفافيش والدبابير وبراعم أغصان الأشجار وعلى أكياس البلاستيك التي يحملها الهواء. وإلى أن يصبح القوّاص صياداً علينا الاستفادة من الأخطاء والثغرات التي يواجهها تطبيق قانون الصيد في لبنان من أجل تعديل وتحديث القانون أكثر وأكثر.
لعلّ هذه السياسة في المتابعة للأخطاء واكتشاف الثغرات هي سياسة بناءة وفريدة من نوعها في عالمنا العربي، خصوصاً أنّ قانون الصيد اللبناني يتفوق على القوانين الأوروبية في مضمونه، بحسب أعضاء جمعية مكافحة إبادة الطيور الأوروبية خلال لقاء لنا معهم في بلدة العاقورة حيث كان يجري تدريب القوى الأمنية على فهم ما هو خلف نصوص قانون الصيد وعلى تحديد الأنواع المسموح بصيدها. تبقى المتابعة جوهر التحسين والتطوير.
(اختصاصي في علم الطيور البرية)