ثمة صورة دائمة الحضور كلما ذُكر اسم الصومال؛ صورة تتشكل في أذهاننا عن حرب أهلية لا تتوقف، وقبائل وفصائل سياسية تحلم بالسيطرة المطلقة، ومجاعة وفقر، إلى جانب بيوت مهدّمة وموت يتجول في الجوار. وليكتمل المشهد، لا بد من قراصنة يخطفون سفينة دولية كخبر يمر في الشريط الإخباري أسفل شاشة التلفاز.
لكن ثمة صورة غائبة عن المخيّلة العربية حول الصومال؛ صورة جيل من الشباب المثقف يتشكّل ويفرض رؤيته النابعة من الحاجة إلى التغيير. جيل يسعى جاداً إلى إخراج بلده من دائرة الحرب والموت؛ ليرسم صورة أخرى تفسح المجال لابتسامة طفل صومالي يريد أن يلعب أمام بيته دون أن تعترضه رصاصة طائشة.
ويستطيع المتابع للمشهد ملاحظة الحراك والضجيج الصحي اللذين يحدثهما هذا الجيل عبر قراءة المقالات والفعاليات التي تنشر على المواقع الصومالية الناطقة بالعربية، مثل "شبكة الشاهد"، "تكايا"، "من أجل الصومال"، "صوماليلاند اليوم"، "مجلة 18 مايو"...
مع ذلك، تبقى الصورة الأولى هي المسيطرة على خيالنا. صورة تكاد تطغى على مدينة هرجيسا، عاصمة "جمهورية صوماليلاند" (أرض الصومال) التي أعلنت انفصالها ـ من طرف واحد ـ عن الجمهورية الصومالية، منذ سقوط نظام محمد سياد بري عام 1991، وتتمتع باستقرار نسبي منذ فترة طويلة.
نجهل مدى حضور اللغة العربية في ثقافة الـ"صوماليلانديين"، فنحن لم نسمع عن أندية القراءة التي تتشكل في المدينة وتعقد جلساتها لمناقشة الكتب. ولا نعرف شيئاً عن الرابطة الأدبية في مدينة برعو التي تسعى إلى إحياء الشعر العربي، وغيرها كثير من الدلائل التي تشير إلى حيوية الثقافة العربية هناك.
يرى صهيب عبد الرحمن، وهو شاب صومالي من هرجيسا، مهتم بالشأن العام ومختص في الدراسات الإسلامية، أن "الدول العربية غير مهتمة بنشر الثقافة العربية في دولتنا". ويضيف: "لقد شهد معرض هرجيسا للكتاب، بنسخته الأخيرة، حضور كتّاب عالميين ودور نشر من عدة دول أجنبية، لكن للأسف لم يحضر أي كاتب أو دار نشر من العالم العربي. وهذا تفصيل من مسلسل التجاهل العربي الكامل لقضية الصوماليين".
ويضيف عبد الرحمن: "تتعامل الدول العربية بشكل هامشي مع هذه القضية رغم ارتباطات الدين والجغرافيا والثقافة والتاريخ"، مقارنةً بالحضور القوي لتركيا التي افتتحت مدارس ومعاهد تدرّس بالتركية، وتوفّر منحاً دراسية سنوية لطلبة هذا البلد. يشكو عبد الرحمن أيضاً من قلة الكتب العربية الحديثة التي تصل إلى هرجيسا، ملاحظاً أن أغلب الكتب التي تصل إما أن تكون دينية أو قديمة. ورغم أن مصر أعادت افتتاح مكتبتها في العاصمة بعد الثورة بهدف إحياء الثقافة العربية، إلا أن هذه المكتبة لا توفر الكتب الحديثة.
من جهته، يرى الكاتب والمدوّن الصومالي ليبان محمد عيسى أن الثقافة العربية عادت إلى الحضور بشكل طاغٍ في هذه الجمهورية، بعد سقوط نظام سيّاد بري، "حيث انتشرت المدارس التي تدرّس بالعربية، بدعم من المؤسسات الخيرية الإسلامية، التي استخدمت مناهج بعض دول الجوار العربي، مثل اليمن والسودان والسعودية. وثمة منح دراسية من قبل بعض الدول العربية، خصوصاً السودان، للطلبة الراغبين في استكمال دراستهم الجامعية. إلا أن هذا الحضور بات في حالة تراجع، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر، نتيجة انحسار دور المؤسسات الإسلامية التي كانت فعّالة وسط المجتمع".
وعن الدور الرسمي العربي، يؤكد عيسى أنه "متواضع، رغم العلاقات التاريخية التي تعود إلى الهجرات المتبادلة بين ضفتي بحر العرب، ورغم الجالية الصومالية الكبيرة في بعض الدول العربية، والجالية العربية التي جاءت إلينا، بعد الربيع العربي، خصوصاً من سورية واليمن، بغرض الاستثمار وهرباً من سوء الأوضاع الأمنية في بلدانها".