بين الأشجار، يقف أمين السلامين (43 عاماً) متوسطاً قبة الصخرة والمصلى القبلي في المسجد الأقصى، ويلتقط لنفسه صورة ذاتية أو "سيلفي". هو من بلدة السموع الواقعة جنوب الخليل (جنوب الضفة الغربية المحتلة)، ويحاول توثيق هذه اللحظات، خوفاً من أن تحرمه قوات الاحتلال الإسرائيلي منها. هي قد تشدد إجراءاتها، ولا تسمح بالتالي لفلسطينيّي الضفة بالدخول إلا في شهر رمضان وعيد الفطر.
بالنسبة إلى السلامين، فإن "هذه الذكريات تترسخ معانيها أكثر، لأن الفلسطينيين يُحرمون من دخول المسجد الأقصى بسهولة، ويُجبَرون على عبور الحواجز العسكرية الإسرائيلية المذلة".
ومثل السلامين، كان مئات الفلسطينيين يقفون على درجات قبة الصخرة يرفعون أيديهم، ليظنّ الناظر أنها مسيرة جماهيرية. لكن سرعان ما يتبيّن أن هؤلاء جميعاً يلتقطون صور "سيلفي"، في مشهد يقلّ مثيله يمكن وصفه بالمهيب.
من جهته، استغلّ الأستاذ المحاضر في جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية بشير صلاح، وجوده مع أهله في مدينة الخليل لزيارة الأقصى. وبينما ينهمك بالتقاط صورة "سيلفي" في إحدى باحات المسجد، يقول: "نحن نعيش في زمن ندخل فيه الأقصى كسياح، نتيجة إجراءات الاحتلال المشددة". يضيف أن كثيرين هم الفلسطينيون الذين لم يهتموا بالتقاط الصور في المسجد الأقصى قبل الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت في عام 2000، إذ إنهم كانوا يرون عودتهم قريبة. لكن حرمان الاحتلال لهم من بلوغ المسجد، راح يدفعهم إلى التقاط صور تذكارية".
قبل عشرين عاماً، زار أحمد شبيطة (25 عاماً) المسجد الأقصى للمرة الأولى برفقة والدته. هو من قرية عزون شرق قلقيلية (شمال الضفة)، وقد تمكّن من دخوله للمرة الثانية في شهر رمضان من هذا العام. يحاول استعادة ذكريات طفولته في الأقصى عندما كان في الخامسة من عمره، كذلك يحاول ربط ما يراه بما شاهده على شاشات التلفزة ومواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي. ويتجوّل في المكان مع صديقه نادي رضوان ابن قريته. هو أيضاً تمكّن من دخول الأقصى للمرة الثانية في حياته. الشابان اجتازا حواجز الاحتلال، والتقطا لنفسَيهما صوراً تذكارية.
اقرأ أيضاً: لا شيء فوقَ ضحكات الأطفال
إلى هؤلاء، تقف منتهى الصدرة من مدينة طولكرم، أمام المصلى القبلي. وتلتقط لنفسها ولابنتيها صوراً تذكارية، بعدما تمكّنت من دخول المسجد الأقصى بعد 12 عاماً من الانقطاع. بالنسبة إليها وإلى ابنتَيها، "دخول القدس عيدٌ بحدّ ذاته".
ويتحكم الاحتلال الإسرائيلي بإجراءات الدخول للأقصى، وهو يسمح بدخول المسجد في شهر رمضان، ليفرض في كل عام قيوداً جديدة يصفها بـ "التسهيلات". وهذا ما مكّن الصدرة من الدخول بدون تصريح، إذ تخطّت الأربعين من عمرها. لكنها تؤكد أن "الدخول إلى القدس أصعب من الذهاب لأداء مناسك العمرة".
أطفال وشباب ونساء وشيوخ، كلهم تأسرهم لحظاتهم تلك في الأقصى، ويودّون لو أنهم لا يخرجون منه. لكن الواقع غير ذلك، فينتشرون في باحاته ويلتقطون لأنفسهم بهواتفهم النقالة صوراً تذكارية.
يوسف فؤاد من رام الله. يقف أمام المصلى القبلي ويتبادل الصور مع زوجته. هي فرصة بالنسبة إليهما لتوثيق هذه الزيارة وإطلاع أولادهما عليها، بعدما نجحا في اجتياز الحواجز الإسرائيلية. يقول فؤاد إن "دخول الأقصى أمنية كل مسلم. والحمد لله تمكنت من الدخول. لولا إجراءات الاحتلال لدخلته كل يوم. أما المحاولات اليوم، فقد تبوء بالفشل". يضيف: "رام الله لا تبعد إلا 20 دقيقة عن القدس".
وليس بعيداً عنهما، كان هيثم جوابرة من رام الله أيضاً، ينهمك بالتقاط صورة له ولابنه حمزة (10 أعوام)، بعدما حصل على تصريح لدخول القدس أخيراً. ويشدّد على "مكانة الأقصى العظيمة". أما حمزة ببراءته، فيقول: "صورتي هذه، أريد أن أطلع عليها أهلي وأصدقائي، وأنشرها على فيسبوك".
من جهة أخرى، تقف الشابتان غالية شنان وآلاء حنتش من بلدة دورا (جنوب الخليل) مقابل قبة الصخرة. وتحملان مجموعة من الأوراق كتبتا عليها أسماء أشخاص من الضفة الغربية وأخرى لأصدقاء لهما من بعض الدول العربية تعرفتا إليهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتتعاونان على التقاط صور لهذه الأوراق والأسماء، في مشهد يؤكد أن المحرومين من دخول الأقصى "مرّوا من هنا" ولو عبر أسمائهم.
وتعبّر الشابتان عن "السعادة التي نشعر بها وعن فخرنا بهذا الإنجاز. نحن ندخل السرور إلى قلوب أولئك المحرومين من دخول المسجد".
اقرأ أيضاً: ميشال أيوب "مسحراتي" الجليل