حذار التجسس عبر الأموال
في رسالة مؤلفة من 13 صفحة، تقول الاستخبارات الأميركية، إن بن لادن كتبها في الثاني والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2010، واعتبرت من بين أهم الرسائل التي عثر عليها ضمن مقتنياته الشخصية عند مداهمة مسكنه وقتله في مايو/أيار 2011، تطرق الأخير إلى موضوع التفاوض الذي كان يجري في ذلك الوقت بين تنظيم القاعدة والحكومة الأفغانية لإطلاق سراح أسير أفغاني قائلاً، إنه ينبغي التعامل مع المفاوضين بطريقة حذرة جداً لأن تسلّم الأموال تكثر فيه الأخطاء.
ولم يتطرق بن لادن، في الرسالة المنسوبة إليه، إلى مصدر الأموال التي يتحدث عنها، لكن رسالته الموجهة إلى "الشيخ محمود" حملت إشارات ضمنية إلى أن مصدر الأموال جهة معادية.
ففي سياق تشديده على أهمية التزام الحذر عند تسلّم الأموال، قال بن لادن، إن الحذر واجب بشكل عام "حتى عند تسلّم أموال التبرعات". ومعنى ذلك أن الأموال المقصودة لم تكن متبرعة، الأمر الذي يرجح أنها فدية لإطلاق الرهينة الأفغاني. كما نصح بن لادن المفاوضين من جانب "القاعدة" بأن يتخلصوا من الحقيبة التي يتسلمون فيها الأموال "نظراً لاحتمال وجود شريحة فيها" للتجسس أو التنصت.
وخاض بن لادن في تفاصيل دقيقة تتعلق بما يلزم من النواحي الأمنية، مقدماً اقتراحاً لمساعديه بأن يتم استئجار بيت في بيشاور يتم تسلّم الأموال فيه، وبعد انتهاء المهمة يخرج المستأجر من البيت، ويبقى البيت إلى أن تنتهي مدة الإيجار، مع مراعاة تبديل المال لدى الصرافين بعد تسلّمه مباشرة.
كما نصح بن لادن، من وصفه بـ"الأخ الذي سيتولى تسلّم المال" أن يستقل سيارة أجرة (تاكسي) ويذهب إلى وسط السوق ويدخل في سوق مغلقة (مسقوفة) على أن يكون هناك أخوان في انتظاره، يعطيهما المال ليحضروه للتنظيم ويكون طبعاً باليورو أو الدولار، وبعد ذلك يفر من المراقبة من دون صحبة الأخوين اللذين أعطاهما المال...".
وقال بن لادن، إنه لا ينبغي أن يتم أي لقاء بين المفاوضين داخل وزيرستان أو أي منطقة ضمن محيط تصوير الطيران الأمريكي، مستدركاً "إلا أن تكون هناك خطة متقنة جداً تحول من دون تتبع العدو لهؤلاء المفاوضين حتى الوصول إلى الإخوة (قادة القاعدة)". ومما قاله بن لادن، أيضاً، في الرسالة "ولا يخفى عليكم أن الخبر معرّض لأن يصل للأميركيين، أن الجهة المحددة تتفاوض مع المجاهدين لإطلاق أسيرها". وأضاف ملاحظة في سطر منفصل مضمونها، "ينبغي أن لا يكون الأخ من القيادات". وفي رسائل أخرى كانت هناك إشارات من أسامة بن لادن بأنه يفضل أن تكون الأموال التي ترسل إليه للنفقات الخاصة به باليورو وليس بالدولار.
اقرأ أيضاً: تقرير التعذيب الأميركي: اسمان قادا لبن لادن... وحقائب نوويّة
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، أخيراً، أن وكالة الاستخبارات المركزية "سي أي آي" دأبت على رفد قصر الرئاسة الأفغاني بمخصصات مالية شهرية انتهى الأمر بجزء منها في خزائن تنظيم القاعدة نقداً. وأوردت الصحيفة قصة الأموال، التي تسلّمها التنظيم مقابل إطلاق سراح أسير أفغاني، مثالاً على ذلك.
وفي سياق تحقيق استقصائي نشرته "نيويورك تايمز" عن تلك المفاوضات السرية، نقلت عن مسؤولين أفغان على صلة بتلك المفاوضات قولهم، إن حاجة الحكومة الأفغانية لتحرير رهينة أفغاني من قبضة "القاعدة" في عام 2010 اضطرتها لسحب مليون دولار من صندوق خاص بالمبالغ الشهرية التي خصصتها وكالة الاستخبارات المركزية "سي أي آي" لقصر الرئاسة الأفغاني، وأتبعت المبلغ بأربعة ملايين إضافية من مصادر دولية أخرى لتحرير الرهينة.
وعند مقتل بن لادن، استولى الأميركيون على جهاز كمبيوتر شخصي تابع له عثروا فيه لاحقاً على رسائل تبادلها مع كبار مساعديه، بينها رسالة من المسؤول المالي والإداري للقاعدة، عطية عبدالرحمن، يقول فيها "لقد منّ الله علينا بمبالغ وفيرة هذا الشهر". ورد عليه بن لادن محذراً "هناك احتمال، وإن كان ضعيفاً، أن الأميركيين على علم بالمبالغ النقدية التي سلمت لتنظيم قاعدة الجهاد، وأن التسليم تم بترتيب مسبق معهم لكي يتسنى لهم متابعة حركة تلك الأموال".
وجاء الإفراج عن بعض مضامين تلك الرسائل، التي اطلعت "العربي الجديد" على نسخ من أصلها العربي، في إطار استخدام الإدارة الأميركية لها كأدلة قضائية على هامش محاكمة الباكستاني عابد ناصر في إحدى محاكم بروكلين في نيويورك بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة. واتضح، لاحقاً، أن مخاوف بن لادن من أن دفع الأموال الأميركية عبارة عن فخ لم يكن صحيحاً. فوفقاً لما نشرته "نيويورك تايمز" فقد اعتادت وكالة الاستخبارات المركزية على تزويد قصر الرئاسة الأفغاني بحقائب مليئة بمئات الآلاف من الدولارات، شهرياً، حتى وقت قريب، ولم تكن قادرة على التحكم في كيفية صرف تلك الأموال بعد تسليمها.
وقالت مصادر أفغانية للصحيفة، إن الأموال كانت تستخدم لشراء ولاءات أمراء الحرب في أفغانستان وأعضاء البرلمان وغيرهم، علاوة على تحرير بعض الرهائن وتغطية النفقات التي لم يكن قصر الرئاسة يرغب في تدوين أرقامها. وتقول المصادر نفسها، إن الأموال النقدية تناقص حجمها بعد تولي الرئيس، أشرف غني أحمد زاي، منصبه، ولكنها لم تتوقف تماماً.
اقرأ أيضاً: "نيويورك تايمز": "سي أي آي" مولت القاعدة بالخطأ