صندوق النقد يستر فساد الحكومات العربية

06 يونيو 2014
مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد (بول ريشارد/فرانس برس/GETTY)
+ الخط -

لا ينظر صندوق النقد الدولي إلى البلدان العربية كمجموعة متجانسة ذات لغة واحدة وروابط مشتركة وسمات اقتصادية متقاربة، وإنما تصدر تقاريره عن هذه الدول من إدارة تتعامل مع إطار جغرافي أوسع تسمى "إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى".
ورغم أن منظمة الأمم المتحدة التي يفترض أن الصندوق يعمل تحت مظلتها، تفسح جمعيتها العامة في المجال لأعضائها العرب للتنسيق فيما بينهم تحت مسمى المجموعة العربية، إلا أن صندوق النقد الدولي ينتهج أسلوباً أكثر قرباً من أسلوب واشنطن. إذ أنه يفضل استخدام صفة  الشرق الأوسط كتسمية جغرافية للمنطقة العربية على ما عداها من تسميات ذات مدلول قومي أو ثقافي أو وحدوي.

لكن نبرة جديدة وذات دلالة، بدأت تتكرر في التصريحات المقتضبة التي يدلي بها بعض كبار مسؤولي الصندوق، وهي عدم تحرجهم من استعمال مصطلح الثورات العربية والربيع العربي في وصف أحداث 2011. لا بل يعتبر مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي مسعود أحمد، في لقاء إعلامي ضم "العربي الجديد" أن الثورات العربية خلقت فرصة حقيقية للإصلاحات الاقتصادية... إلا أن أحد المسؤولين السابقين في الصندوق، أكد لـ "العربي الجديد" أن "النقد الدولي" يتستر على فساد الحكومات العربية، خوفاً على بنية الأنظمة!

 

كيف يرى الصندوق الاقتصاد العربي؟

 

يقول مسعود إن "كل بلد مختلف عن البلد الآخر، وعلى كل بلد أن يحدد أولوياته في معالجة التحديات الاقتصادية التي يواجهها". ويشرح أن ثورات الربيع العربي أوجدت فرصة تاريخية لا يجب تفويتها لإصلاح المسارات الاقتصادية في بعض الدول العربية. مشيراً إلى أن التأييد الشعبي الواسع سوف يساعد على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية رغم الصعوبات السياسية القائمة في بلدان التحول العربي.
أما عن تنفيذ صندوق النقد الدولي لتقاريره عن الدول العربية أو غيرها، فيوضح مسعود الآلية المتبعة بأن الصندوق يوفد فريقاً من الخبراء إلى كل بلد عضو، مرة واحدة سنوياً في العادة، للتشاور مع المسؤولين الحكوميين والوزراء المختصين والبنوك المركزية لمعرفة ما إذا كانت هناك مخاطر اقتصادية تهدد استقرار هذه البلدان أو الاستقرار العالمي، ويتولى الفريق جمع المعلومات والبيانات التي تساعد خبراء الصندوق في وضع التوصيات اللازمة ومقترحات التعديلات في السياسات الاقتصادية أو المالية.

ولا يعتمد خبراء الصندوق تماما على الأرقام والمعلومات التي تقدمها لهم حكومات البلدان المعنية بل يعملون على تمحيص الأرقام وتدقيقها وتنويع مصادرها. "إذ إن خبراء الصندوق أثناء زياراتهم للبلدان المعنية يلتقون بأطراف معنية أخرى، من بينها أعضاء البرلمان ومجتمع المال والأعمال والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني".
ووفقا للمسؤول الاقتصادي الدولي، فإن تنويع مصادر المعلومات والخبرة الواسعة التي يتمتع بها الخبراء في التدقيق والمراجعة تساعد في النهاية على تقييم السياسات الاقتصادية والتوجه الاقتصادي في البلد العضو.

 

تغيير المؤشرات

 

أما عند عودة أعضاء الفريق من البعثة، يقومون بإعداد تقرير ويرفعونه إلى المجلس التنفيذي الذي تُمثَّل فيه كل البلدان الأعضاء، وعددها 188 عضواً.  ويشرح مسعود أنه من خلال المناقشات التي تدور في جلسات المجلس التنفيذي، تتاح للمديرين التنفيذيين فرصة تبادل الآراء والخبرات ذات الصلة.

وردا على سؤال لـ "العربي الجديد" عن سبب إصدار الصندوق توقعات النمو الاقتصادي أكثر من مرة في العام الواحد، وإصدار توقعات نمو تتعلق بعام قد انقضى، أوضح مسؤول مختص في إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بأن عمل الصندوق لا يقتصر على التقارير السنوية المعتادة، بل يقوم أيضاً بإعداد تقارير حول حالة الاقتصاد العالمي كل ستة أشهر.

 كما تعد تقارير دورية حول مختلف مناطق العالم، بما فيها الشرق الأوسط، وتتضمن كل هذه التقارير توقعات يلزم أحياناً تعديلها في حال ظهور أرقام جديدة.

أما التقارير المتعلقة بنسب النمو في أعوام سابقة، فإن نشرها مهم للغاية، وفق مسعود، لسببين، الأول من أجل اعتمادها في عمليات المقارنة مع التوقعات المقبلة، والثاني لأن أرقامها أصبحت نهائية ولم تعد مجرد توقعات، فيمكن اعتمادها في دراسة واقع البلد المعني من أجل وضع توصيات لتحسين النظم المالية.

 

التستر على فساد الحكومات

 

ويرى خبير اقتصادي أميركي من أصل عربي سبق له العمل في مركز مرموق في صندوق النقد الدولي، إن الصندوق يعرف عن اقتصادات الدول العربية أكثر مما يعرفه المسؤولون في تلك الدول.

ويتهم الخبير مسؤولي الصندوق بعدم الشفافية والتستر على معلومات خطرة عن فساد الحكومات العربية. موضحاً أن التبرير الذي كان يسمعه من كبار صناع القرار الدوليين أنهم يخشون أن تستغل المعارضات العربية المعلومات التي يكشف خبراء الصندوق عنها لتحقيق أهداف سياسية، ولهذا يتم التكتم الشديد على كثير من الأرقام والتقارير التي يتوقع مسؤولو الصندوق أن يكون لها عواقب سياسية قد تؤثر على استقرار بعض البلدان العربية.


 أما الحكومات المعنية وحكومات الدول صاحبة الحصص الكبرى في رأسمال صندوق النقد الدولي، فإنه يتاح لها الاطلاع على كل المعلومات التي تصف بدقة ما يدور في كل بلد من البلدان الأعضاء.

 

علاج واحد لكل المرضى

 

ورغم الإشادة بقدرات خبراء صندوق النقد الدولي في جمع البيانات وتحري الدقة، إلا أن أستاذة الاقتصاد السياسي في جامعة واين ستيت الأميركية إليزابث ميلر تسخر من الوصفة العلاجية التي يقدمها الصندوق لكثير من الدول الأعضاء التي تعاني من أزمات اقتصادية.

تقول ميلر لـ "العربي الجديد" إن تشخيص العلل قد يكون رائعاً ولكن الوصفة العلاجية مكررة ويقدمها الصندوق لكل المرضى.

وتضيف ميلر إن التركيز قائم في الأساس على سياسات نقدية ومالية وتمويلية لا يمكن تطبيقها حتى في الولايات المتحدة نفسها، التي تضع حدا أدنى للأجور وتلتزم باقتصاد السوق الحر، ولكن مع عدم إهمال حقوق الفقراء في توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة لهم.

وتضيف ميلر إن الإصلاحات الهيكلية التي يطالب بها الصندوق الدول النامية، ومن بينها الدول العربية، تتشابه برغم إقرار كبار مسؤولي الصندوق بالاختلاف الحاصل في البنية الاقتصادية بين دولة وأخرى.
وبغض النظر عن زعم مسؤولي صندوق النقد الدولي بأنهم لا يؤمنون بوجود وصفة صالحة لكل الحالات، إلا أنهم يوزعون وصفتهم المعتادة حول الإصلاحات المالية كما يلي:
أولا: تحرير أسعار السلع والخدمات برفع الدعم عنها، وعلى رأسها المشتقات النفطية والأطعمة وإعادة توجيه الدعم نقدا إلى الفقراء، إذا اقتضى الأمر.
ثانيا: فرض زيادة تصاعدية في ضرائب الدخل ومعدلات الرسوم والضرائب العقارية إلى جانب إلغاء الإعفاءات وسد الثغرات الضريبية.

ثالثا: ضبط الأوضاع المالية العامة على المدى المتوسط لدعم القدرة على الإيفاء بحقوق الدائنين، للحفاظ على رغبتهم في تمويل المشاريع الإنتاجية المؤمل أن توفر فرص عمل إضافية.
رابعا: تقديم تفسيرات مقنعة للناس بشأن المنطق وراء اتخاذ القرارات الصعبة حتى يبادروا إلى دعمها.
ولا تتضمن الوصفة العلاجية إجراءات محددة لمعالجة مشكلة الفساد ونهب الثروات، وبالتالي فإن المواطن الفقير هو الذي يتحمل عبء الإصلاح الاقتصادي، مثلما يتحمل عبء الفساد السياسي.
تجدر الإشارة إلى أن الدول العربية، جميعها بلا استثناء، أعضاء في صندوق النقد الدولي، ولكن مصر والعراق وحدهما كانا من بين الأعضاء المؤسسين، كون انضمامهما إلى صندوق النقد الدولي تم في سنة التأسيس في 1945 بعد الحرب العالمية الثانية.
وفيما يلي ترتيب الدول العربية حسب أقدمية العضوية في صندوق النقد الدولي:

تاريخ انضمام الدول العربية إلى صندوق النقد الدولي