صندوق الأغنيات القصيرة لأم كلثوم

14 فبراير 2014
مع "رامي": 39 سنة على رحيل أم كلثوم
+ الخط -

اعتاد جمهور أم كلثوم أن يستمع إلى أغاني "السّت" الطويلة والمعروفة، لا سيما من مرحلتها الأخيرة، مثل "إنتَ عُمري" و"الأطلال" و"حيّرتِ قلبي معاك". لكن قلّة التفت إلى أغانيها القصيرة التي أنشدت معظمها في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، علماً أنّ بعضها في غاية التعقيد من ناحية الجُمل الموسيقيّة وطريقة بنائها وحبكها، ويشكّل تحوّلاً مفصليّاً في مسيرة الفنانة وفي استمراريّة عملِها مع الملحّنين والشّعراء. وهنا نماذج أربعة منها.

أوّل قصيدة زجليّة لأحمد رامي
"خايف يكون حبّك ليَّ" هي أوّلُ قصيدة زجليّة للشّاعر أحمد رامي (1892-1981) غنّتها "سوما" في العام 1924. ولقاؤهما كان من خلال صديق لرامي أراد أن يحتفل بعودة هذا الأخير من فرنسا، فدعاه إلى حفلة تغني فيها المطربة الجديدة آنذاك.

ومع أن رامي لم يتحمّس للفكرة كثيراً لكنه رافق صديقه، خصوصاً بعد أن عرف أن أم كلثوم كانت تغني قصيدته الفصحى "الصبُّ تفضحُهُ عيونُه" بلحن أبو العلا محمّد.

وفور بدء أم كلثوم حفلتها، اُعجِب رامي بغنائها فاقترب منها بعد أن فرغت من وصلتها الأولى، وطلب منها أن تغني قصيدته المذكورة، فاستجابت له وأطربته بأدائها. وكان عدم تمكّن الشاعر من تحديد موعد سريع مع الفنانة بسبب سفرها في اليوم التالي إلى "رأس البر"؛ هو ما دفعه إلى وصف لقائه الأول بها على النحو الآتي: "سلام التلاقي كان سلام الوداع".

وفي إثر هذه الحادثة، كتب رامي "خايف يكون حبّك ليّ"، مُنتقلاً بها من الفصحى إلى الزّجل، ولحّنها أحمد صبري النجريدي. وتتمتّع الأغنية بتحوّلٍ مقاميٍّ لافت، إذ تبدأ بموّالٍ على مقام "البيات" ثم تنتقل إلى مقام "حجاز كار كرد". ومع أن هذا التحول عسير، لكنّ أم كلثوم استطاعت تأديته بشكلٍ متميّز.

"طقطوقة" زكريّا أحمد
لم يكتفِ الملحّن الشّيخ زكريّا أحمد (1896 ـ 1961) بأن تكون أغنية "اللي حبّك يا هناه" أوّلَ عملٍ يقدّمه لأمّ كلثوم، بل جعل منها أوّل كسرٍ لرتابةِ قالب "الطّقطوقة" الغنائيّ. فالشّائع آنذاك كان أن تُلحَّن الأغنية على نمطٍ مُحدّد يبدأ "المذهب" فيه على نغمة معيّنة، ثم تليه ثلاثة أغصان من النّغمة نفسها، بحيث يتطابق كلّ غصن مع الآخر. ويجب انتظار تلحين زكريا أحمد زجليّة أحمد رامي في عام 1930 كي تتعدد نغمات اللحن بين المذهب والأغصان ويتّخذ كلّ منهم جملهُ الخاصة التي تختلف عن الأخرى، وتتخلّص "الطقطوقة" من شكلِها النّمطيّ. ويُعتبر هذا الكسر تجديداً وخروجاً على التقليد المذكور الذي استحكمت قيوده على هذا اللون الغنائيّ الشعبيّ سنوات طويلة.

في السّنة الأولى مع "قصب"
اتّخذت أغنية "رقّ الحبيب" (1944) مكانةً خاصّة في المدوّنة النقديّة الموسيقيّة، واعتُبرت من الألحان المتميّزة التي قدّمها محمّد القصبجي (1892-1966) لكوكب الشّرق، لدرجة أنّ بعض المراجع أغفل الكثير من الأعمال الأخرى المهمّة للملحّن، خصوصاً في بداياته مع أم كلثوم. ففي العام الأوّل من تعاونهما (1931)، لحّن القصبجي أغنية "يا فايتني وأنا روحي معاك" (كلمات أحمد رامي) التي اعتُبرت واحدة من أهمّ ألحانه في ذلك العقد، إذ اتّسمت بسلاسةٍ وإحساسٍ عاليين وبقدرة الملحّن على تطويع المساحات الموسيقيّة لتخدمَ معنى الكلمات. وقد لُحّنت الأغنية على مقام "حجاز كار كرد"، وهو مقام من جنس "الكُرد" على درجة "دو".

مع السنباطي
حين طلبت أم كلثوم مقابلة، رياض السنباطي (1906-1981)، كاد ألّا يصدّق، إذ كانت الإذاعة تعتبره آنذاك ملحّناً ناشئاً. وقد بدأ مشواره مع المطربة بـ"على بلد المحبوب" و"لمّا إنتِ ناوية تهاجريني" و"سلوا كؤوس الطّلا". أما تلحينه لأغنية "النّوم يداعب عيون حبيبي" (1938) فتُعتبر نقطة تحوّل في تعاونهما. إذ تمسّكت أم كلثوم به منذ تلك الفترة رغبةً منها في التجديد والتنوّع في العمل مع الموسيقيين، فلحّن لها حوالي 90 أغنية.

الأغنية من كلمات أحمد رامي، لحّنها السّنباطي على مقامِ "الكُرد"، ويتميّز لحنُها بانسيابٍ مثير في تحوّلاته المقاميّة وبقوّة الجمل الموسيقيّة التي منحَتْ كلمات الأغنية مساحاتِها وعمقها من خلال الطّاقات التعبيريّة التي تملكها أم كلثوم.

دلالات
المساهمون