يُروى أنّ إمبراطوراً صينياً استدعى كبير رسامي القصر، وطلب منه محو لوحة "الشلال" التي رسمها على أحد جدران غرفته، والسبب أنّ "صوت المياه المتدفق" كان يمنعه من النوم.
أمثولة طريفة أوردها ريجيس دوبري في كتابه عن "حياة الصورة وموتها "(ترجمة فريد الزاهي)، إلا أنّ القصة على طرافتها تلقي بدلالاتها العميقة على مسألة "الصورة" في حياة الإنسان.
نفهم من هذا، أنّ الصورة حتى وهي ذات طبيعة ساكنة (جدارية الشلال) تمارس "فعلاً" على الإنسان يدفعه إلى ممارسة "رد فعل" إزاءها أو إزاء ما تحمله من أفكار أو معانٍ أو مشاعر أو ذكريات.
لا تحاول الصورة أن تنبهنا إلى العالم الذي تمثّله أو ترمز إليه، بل تحاول أيضاً أن تنبّهنا إلى ذاتها باعتبارها العالم نفسه، بل يكاد العالم ينسحب ويتوارى، ليتم استبداله بالصور التي تمثّله، فتصير بديلاً مقنعاً له، وقد يكون أكثر تأثيراً على الإنسان.
أليس هذا بالذات ما نعيشه اليوم في عصر "مجتمع المشهد"؟ حيث تجاوزت الصورة كونها أداة تمثيل للعالم إلى بديل عن العالم نفسه. الصورة اليوم، لا تخترق الإنسان فحسب، بل تصنعه وتعيد تشكيله من جديد على نحو مستمر.
انتهى العصر الذي تُعرّف فيه الصورة بأنها تمثيلٌ تطابقيٌّ للعالم، وها هي الآن تلعب دورها الأخطر، أي صناعة العالم.