وتشنّ قوات النظام هجماتها المتواصلة منذ أشهر طويلة على حي جوبر، انطلاقاً من منطقة سوق الهال في حي الزبلطاني، ومن منطقة العباسيين، المقابلة مباشرة لحي جوبر، وتحاول التقدم من دون جدوى، على خطوط الاشتباك، بسبب المقاومة المستمرة من قوات المعارضة في المنطقة.
وردّت قوات النظام على صمود المعارضة بقصف حي جوبر يومياً، بمختلف أنواع الصواريخ وقذائف المدفعية، وشهد الحي حملة تدمير واسعة، شملت معظم بنيته العمرانية، خصوصاً بعد استخدام قوات النظام صواريخ محلية الصنع، ذات مدى قصير ورأس متفجر ضخم، تسبّب دماراً كبيراً في المكان الذي تسقط فيه.
ويوضح الناشط ماهر الشامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قصف قوات النظام السوري للحي، لم يقتصر على صواريخ الغراد والكاتيوشا والقصف بالطيران وقذائف الدبابات والمدفعية والهاون، بل امتد أيضاً لاستخدام قوات النظام السوري صواريخ من نوع برق وصواريخ من نوع فيل. وهي صواريخ محلية الصنع يصنعها النظام وحزب الله بإشراف خبراء عسكريين ايرانيين".
وكان ناشطون موالون للنظام قد بثوا على شبكة الانترنت، قبل نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مقطع فيديو يظهر استخدام قوات النظام لكاسحة الألغام روسية الصنع من نوع "يو أر ـ 77"، وهي عبارة عن مدرّعة مجنزرة تطلق حبلاً صاروخياً مكوناً من مجموعة من العبوات الناسفة، يزيد وزن مجموعها عن الألف كيلوغرام، ما يمنحها قدرة تدميرية عالية، تمكّنها من اختراق التحصينات الاسمنتية والترابية. وقد سبّب استخدام قوات النظام لهذا النوع من السلاح، المزيد من الدمار في الحي الدمشقي، الذي يُعتبر أقرب مناطق سيطرة المعارضة السورية إلى قلب العاصمة.
كما استخدمت قوات النظام أثناء محاولاتها اقتحام حي جوبر، غاز الكلور السام، مستهدفة تحديداً مناطق تمركز مقاتلي المعارضة في منطقة المناشر، جنوب حي جوبر، ما أدى لإصابة عدد من مقاتلي قوات المعارضة بحالات اختناق، حسب ما أفاد الطبيب ياسر اليماني، العامل في مستشفى جوبر، لـ"العربي الجديد".
وأوضح اليماني أنها "ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها قوات النظام غاز الكلور في الحي، فقد وصلت إلى المستشفى عشرات الإصابات الناتجة عن استنشاق مواد سامّة يُعتقد، من خلال الأعراض البادية على المصابين، أنها من نوع غاز الكلور السام، في العام الماضي". وكان الاستخدام المتكرر للغازات السامة من قبل قوات النظام قد دفع مقاتلي المعارضة إلى استخدام الأقنعة الواقية أثناء القتال على خطوط التماس.
ويبدو أن قوات النظام قد استخدمت كل ما في جعبتها، من دون أن تنجح في اختراق حي جوبر، الذي تشكل سيطرة قوات المعارضة السورية عليه، إحراجاً كبيراً للنظام بسبب قربه الشديد من ساحة العباسيين التي تُعتبر المسرب الأهم في العاصمة السورية، إذ يبعد حاجز "عارفة"، الذي تسيطر عليه قوات المعارضة في حي جوبر، 700 متر فقط عن ساحة العباسيين.
وكانت وسائل الاعلام التابعة للنظام، قد أعلنت خلال العامين الماضيين عن سيطرة قوات النظام على حي جوبر عشرات المرات، قبل أن تنفي قوات المعارضة الأنباء من خلال بث مقاطع فيديو تُظهر إحكامها السيطرة على كامل حي جوبر.
وحصل هذا الأمر مع مطلع العام الحالي، حين بثت وسائل الاعلام الموالية للنظام السوري صوراً للرئيس السوري بشار الأسد، وهو يقوم بزيارة مقاتلي قوات النظام السوري في منطقة الزبلطاني، المقابلة لحي جوبر، مدعية أن هذه الصور تظهر سيطرة قوات النظام على جوبر، قبل أن يقوم ناشطون معارضون بمطابقة هذه الصور مع صور قديمة للمنطقة، تظهر أن زيارة الرئيس السوري كانت لخط الاشتباك الأول بين قوات النظام وقوات المعارضة في الشارع المقابل لمديرية نقل مدينة دمشق في حي الزبلطاني، الأمر الذي ينفي سيطرة قوات النظام على أي من أجزاء حي جوبر.
في السياق، قام فصيل "جند العاصمة"، الذي جرى تشكيله أخيراً من خلال اتحاد معظم فصائل المعارضة التي تقاتل قوات النظام في حي جوبر، في اليوم التالي لزيارة الرئيس السوري لمنطقة الزبلطاني، ببث تسجيل مصوّر يظهر إشراف قناصي قوات المعارضة على ساحة العباسيين في العاصمة السورية دمشق، لينفي ادعاءات وسائل الاعلام الموالية للنظام عن إحراز قوات النظام لأي تقدم في الحي.
وكانت قوات المعارضة قد تمكّنت من الصمود في حي جوبر على مدار السنوات الثلاث الماضية، بسبب نوعية مقاتليها ونوعية تسليحهم الخفيف عموماً، والذي يسهّل من حركتهم ويمنحهم أفضلية مباغتة قوات النظام، بسبب عدم وجود آليات ثقيلة أو مراكز واضحة لقواتهم، الأمر الذي مكّنهم من استنزاف قوات النظام على جبهات الاشتباك في محيط حي جوبر الدمشقي، بشكل غير مسبوق في المواجهات المستمرة بين قوات النظام وقوات المعارضة في مختلف مناطق البلاد.
ويوضح القيادي في "جند العاصمة"، أبو الحسن الشامي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "قواته تمكّنت في الأشهر الأخيرة من الاستفادة من شبكة أنفاق واسعة قامت بحفرها في حي جوبر، بحيث غطت هذه الشبكة معظم مناطق سيطرة المعارضة في الحي، وسهّلت من حركة مقاتلي المعارضة، من دون التأثر بالقصف المستمر لقوات النظام للحي.
ويؤكد أبو الحسن الشامي أن "هذا هو السبب الذي دفع قوات النظام إلى استخدام كاسحة الألغام الروسية يو آر ـ 77، التي سعت قوات النظام من خلال استخدامها إلى تدمير الأنفاق التي تستخدمها قوات المعارضة في الحي الدمشقي، وخصوصاً مع قدرة الصاروخ الواحد المؤلف من سلسلة من العبوات الناسفة على تدمير منطقة لا يقلّ قطرها عن 700 متر، إلا أن كل ذلك لم يؤثر على قوات المعارضة، بسبب خبرتها الكبيرة التي اكتسبتها خلال أشهر القتال الطويلة في حفر الأنفاق وحرب الشوارع".
ويُعتبر حي جوبر من أوائل المناطق التي خرجت فيها التظاهرات المنددة بالنظام السوري والمطالبة برحيله، وقد تسببت الحملة الواسعة التي تشنّها قوات النظام على الحي بتهجير سكانه نحو أحياء دمشق الأخرى ونحو غوطتها الشرقية والأراضي اللبنانية، قبل أن تتسبب حملة القصف المستمرة منذ أشهر من قبل قوات النظام بتدمير معظم المباني السكنية في الحي، ليصبح الحي غير قابل للسكن بشكل مطلق.