أصبح الدوري الإنكليزي وجهة اللاعبين العرب في الفترة الحالية، بعد قدوم أكثر من نجم إلى البريمرليغ، كإسلام سليماني ورمضان صبحي وأحمد حجازي ومحمد صلاح، بالإضافة إلى تألق رياض محرز الاستثنائي في الموسم التاريخي الذي فاز فيه ليستر بالبطولة، ليتحول أشهر دوري في العالم إلى ساحة جديدة لوجود أبرز أسماء منتخبات شمال أفريقيا.
ويعتبر هذا الموسم محورياً على مستوى التنافس العربي الخالص في إنكلترا، بعد استمرار رياض مع ليستر، وقدوم صلاح ليكون أحد نجوم ليفربول، مع التأكيد على قيمة هذا الثنائي بالأخص مقارنة بالبقية، وتضاعف خبراتهما المحلية والدولية نظراً لما تم تقديمه في السنوات الأخيرة.
عودة الفرعون
لعب محمد صلاح فترة قصيرة من قبل في إنكلترا مع تشيلسي، لكن لم تكتمل التجربة ورحل سريعاً إلى إيطاليا، بسبب قلة عدد المشاركات وعدم اعتماد مورينيو عليه خلال المباريات. عانى الفرعون المصري وقتها من نقص الخبرات، واحتسبت هذه الخطوة عليه وليست لصالحه، نتيجة النقلة النوعية التي أقدم عليها عند انتقاله من بازل السويسري إلى أحد أكبر أندية البريمييرليغ فجأة، ليجد نفسه أسير دكة البدلاء، وانعدمت ثقته بنفسه عند لعبه أساسياً، لذلك قرر الهروب مع أول فرصة ليذهب إلى فلورانسا ثم تجاه العاصمة الإيطالية.
يمتلك صلاح مزايا عديدة كالسرعة والقوة البدنية، مع قدرته على شغل مراكز الجناح يميناً ويساراً، وبالتالي يتألق بشدة مع الفرق التي تجيد لعبة التحولات، لصعوبة إيقافه عند التحول من الدفاع إلى الهجوم. ونتيجة لعبه مع منتخب مصر تحت قيادة المدرب الأميركي السابق بوب برادلي كرأس حربة متأخر، تضاعفت قدراته التهديفية أمام المرمى، من خلال تسجيل الأهداف وترجمة الفرص بنجاح، ليشارك في معظم فترته مع الفيولا كمهاجم إضافي في طريقة لعب 3-5-2، ما جعله أحد نجوم الكالتشيو وعجل من عملية انتقاله إلى روما.
تحول "مومو" مع المدرب لوتشيانو سباليتي إلى نسخة أفضل، فالمدرب الإيطالي يملك خبرة عريضة وصاحب شخصية قوية على الجميع، لذلك انتقد اللاعب المصري في عدة مناسبات على الملأ، نتيجة قلة تركيزه وانخفاض مستواه تحت ضغط المباريات. تعامل صلاح مع هجوم مدربه بطريقة ذكية، واستمع إلى التعليمات بهدوء من دون غضب، لتأتي النتائج إيجابية في النهاية بتحسن مستواه كثيراً، وتطور أرقامه في جميع أركان الملعب، بالوسط وبين الخطوط وعلى الطرفين، بعد أن كان مميزاً فقط بالقرب من منطقة الجزاء.
تأثير كلوب
إذا كان سباليتي هو الرجل الذي أضاف الشخصية القوية لصلاح، وجعله لاعباً أفضل على مستوى الصناعة والاحتفاظ بالكرة، خصوصاً مع أرقامه المميزة في آخر مواسمه بالدوري الإيطالي، من خلال قيامه بصناعة 71 فرصة للتسجيل، بينها 11 "أسيست"، فإن نجم منتخب مصر كان محظوظاً بحق نتيجة انتقاله إلى ليفربول، ولعبه تحت قيادة المدرب المخضرم يورغن كلوب، الرجل المعروف إعلامياً بمبتكر صيحة "الكونتر برسينغ" في أوروبا، بالضغط العالي على دفاعات الخصوم، وقطع الكرة في أسرع وقت لتنفيذ مرتدة خاطفة أمام المرمى.
يفضل كلوب اللاعبين الأقوياء بدنياً، أصحاب السرعات المذهلة والتحولات القياسية، لذلك تعاقد من قبل مع ساديو ماني، وأضاف بعداً جديداً للهجوم بجلب النجم المصري. ونجح ليفربول في الوصول إلى مجموعات دوري الأبطال، بعد عرض جمالي رفيع المقام أمام هوفينهايم، ورغم قوة المنافس الألماني إلا أن زعيم ميرسيسايد فاز ذهاباً وإياباً، وقدم الكرة المفضلة لمديره الفني، بنقل الكرات من لاعب إلى آخر في اتجاه عمودي، وحرمان لاعبي الخصم من رفاهية التصرف بالكرة بعيداً عن الضغط، في دلالة واضحة على صبغة اللعب المباشر التي ينتهجها القائد التكتيكي.
وضع يورغن لاعبه صلاح في أكثر من مركز، البداية في الدوري كمهاجم متأخر بالقرب من فيرمينو، وخلال دوري الأبطال تألق كجناح صريح على اليمين، يتمركز أكثر على الخط الجانبي، ويدخل إلى العمق في سبيل صعود الظهير إلى الأمام، بالإضافة إلى قيامه مع زميله السنغالي ماني بدور المهاجم غير التقليدي، عند خروج البرازيلي فيرمينو من صندوق العمليات تجاه الأطراف، ودخول الأجنحة إلى العمق للتسديد والتسجيل، وبالتالي فإن المصري أمامه فرصة ذهبية للتعلم من مدربه الجديد، في نقاط التحرك من دون كرة، والتمركز الصحيح بالفراغات، وتحسين الخصائص الدفاعية في الافتكاك والعرقلة وخلافه، ليتحول إلى نسخة شبه مكتملة في المستقبل القريب.
إنجاز محرز
خطف رياض محرز الأضواء من الجميع في موسم 2015-2016، بعد قيادته ليستر إلى تحقيق المستحيل، وتتويجه كأفضل لاعب في الدوري الإنكليزي الممتاز. وقدم الدولي الجزائري صورة رائعة للنجم العربي في ملاعب أوروبا، بمهارته الفائقة وقدراته التقنية العالية، وهدوئه الشديد في كافة المواقف الصعبة، ليضعه المدرب رانييري كأهم عناصره في الطريق نحو المجد، من خلال تمركزه كجناح داخلي في خطة اللعب الشهيرة 4-4-2، رياض مائل لليمين بالقرب من الخط في الحالة الدفاعية، لكنه يدخل في العمق عند الاستحواذ، من أجل الاختراق الطولي أو لعب التمريرات البينية تجاه زميله فاردي.
مع التحوّل من الدفاع إلى الهجوم، يمرر اللاعبون كرات سريعة بشكل عمودي، والهدف في النهاية بين أقدام رياض، اللاعب الأمهر في التشكيلة، والنجم القادر على صنع الفارق في الفراغات. وأطلق البعض على هذه الخلطة اسم "اللعب دون فلسفة"، لأن كل لاعب في مركزه دون الكرة، وبمجرد الحصول عليها، ينطلق الجميع في مهمة واحدة نحو شباك الخصم، من أجل إيصال الهجمة إلى من يجيد فن الإنهاء، ونجحت الفكرة في النهاية بالحصول على البريمييرليغ عن جدارة واستحقاق.
انخفض مستوى رياض فيما بعد بعض الشيء، تأثر اللاعب بالميركاتو السيئ لفريقه ليستر، بعد التخلي عن الجندي المعلوم نغولو كانتي، وعدم تدعيم الفريق بالشكل المتكامل، بالإضافة إلى مشاكل بعض اللاعبين مع المدرب الإيطالي كلاوديو رانييري، ورحيل الأخير فيما بعد بطلب من الملاك، ليقدم ليستر موسم سيئ في المطلق، ويتأثر اللاعب الشمال أفريقي بالأمر، لأنه في النهاية عنصر داخل المنظومة ككل. ونتيجة لكل هذه السلبيات غير المتوقعة بالموسم الماضي، فكّر محرز جدياً في الرحيل هذا الصيف.
الخطوة المقبلة
مع كامل الاحترام والتقدير لمدرب ليستر شيكسبير، فإن هذا الرجل لن ينجح أبداً في تحقيق ما حققه رانييري، لأن المعجزة تأتي مرة واحدة في العمر، وبسبب لعب الإنكليزي بطريقة تقليدية جداً، مع إلزام اللاعبين بالواجبات الدفاعية أولاً وأخيراً، ما يجعل موقف محرز صعباً جداً في التطور أو البزوغ، وبالتالي كان يجب عليه الرحيل بأي شكل خلال الفترة الماضية، لكن هذا لم يحدث في النهاية، ربما لأن عرض روما المالي لم يصل إلى المستوى المطلوب، أو لأن الجزائري ينتظر عرضاً آخر.
في كل الأحوال لن يستفيد اللاعب من فترته الحالية مع ليستر، إذ إن الأمور ستسير مثل الموسم الماضي، مباراة في القمة وأخرى بالقاع، مع مركز بعيد تماماً عن المشاركات الأوروبية، لذلك كانت خطوة روما منطقية للغاية، فالنادي الإيطالي لديه مشروع جديد تحت قيادة الإسباني مونشي والمدرب الشاب دي فرانشيسكو، ويستطيع النجم الكبير إثبات نفسه من جديد رفقة تجربة مغايرة، ومن ثم الذهاب إلى نادي أكبر في أقرب وقت ممكن.
تبقى كل الخيارات متاحة أمام ساحر الصحراء، فكل الطرق في لندن تشير إلى خروج أليكسيس سانشيز في الصيف المقبل، ويمكن لفينغر أن ينقذ محرز بتقديمه عرضاً حقيقياً للاعب في الميركاتو المقبل، حتى يملأ فراغ غياب اللاتيني، ويستعيد إبداعه المفقود في لندن. في النهاية صلاح سيستفيد كثيراً من خطوة ليفربول، ومحرز سيندم بعض الشيء على عدم رحيله حالياً، لكن لا تزال الفرصة قائمة، والعين على فريق ملعب الإمارات.