صفوان البلاقي: العدالة الإجتماعية تحقق التنمية في تونس

26 يناير 2015
+ الخط -
أكد الأمين العام لجمعية المواطنة والتنمية في الشمال الغربي التونسي صفوان البلاقي أن غياب العدالة الاجتماعية، عمّق الهوة بين التونسيين، وقال إن تعزيز المواطنة أساس الوصول إلى التنمية الحقيقية...

وهذا نص المقابلة:

*ما هي أبرز المشكلات التي يعانيها المجتمع التونسي والتي تنعكس سلباً على اقتصاد الدولة؟
يعاني المجتمع التونسيّ بالأساس من الإحساس بانسداد الأفق وغياب الأمل في إمكانية تحسّن الوضع الاقتصاديّ على المدى القريب أو المتوسّط. هذه الحالة النفسيّة هي ما تخلق حالة من اللامبالاة وترسيخ ثقافة التراخي وقتل روح المبادرة، وهو ما ينعكس على مردوديّة العمل وإنتاجية المؤسّسات، سواء كانت خاصّة أو حكوميّة.
كما أنّ ظاهرة البطالة خصوصاً في المناطق الأقلّ نصيباً في التنمية كانت لها ارتدادات سلبيّة على اقتصاد الدولة نتجت بالأساس نتيجة موجات النزوح باتجاه المدن الكبرى وانتشار الفقر والجريمة وازدياد الضغط الديمغرافيّ في تلك المدن التي لا تستطيع استيعاب تلك الزيادة السكانيّة ولا تمتلك القدرة على إدماج النازحين في الدورة الاقتصاديّة.

*كيف تنظرون إلى واقع التنمية في تونس؟ وهل من عدالة في توزيع الخدمات؟
من خلال سؤالكم استعملتم المصطلح الذي يشخّص واقع التنمية في تونس، وهو غياب العدالة في توزيع الثروة الوطنيّة وعائدات الدورة الاقتصاديّة بين مختلف جهات البلاد، وهو ما ينعكس طبعاً على عدالة توزيع الخدمات.
وأودّ أن أضيف هنا أنّ منوال التنمية الذي تم اعتماده منذ استقلال البلاد وخروج الاستعمار الفرنسيّ، كان وما يزال قائماً على الاختلال بين شرق البلاد وغربها، فالاستثمارات الكبرى والبنى التحتيّة ومرافق الخدمات والفضاءات الترفيهيّة، تم تركيزها في المدن الكبرى على طول الشريط الساحليّ الشرقيّ، بينما ظلّت مدن وقرى غرب تونس تعاني من التهميش وتردّي مستوى الخدمات وغياب أو تهالك البنى التحتيّة.


*كم يساهم الفساد في زيادة الهوة الاجتماعية في تونس؟ وماذا عن السياسات الاقتصادية - الاجتماعية المتبعة؟
الفساد هو الآفة الأخطر التي قد تسبّب انهيار الأنظمة وزعزعة الاستقرار. فثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011، قامت بالأساس ضدّ فساد نظام بن عليّ وحاشيته، وللأسف ما زال الفساد مستشرياً في الدولة وإن بشكل أقل ظهوراً للعيان، كالرشوة والمحسوبيّة وغيرها من الممارسات.
تساهم ارتدادات الفساد بشكل مباشر في زيادة الهوّة الاجتماعيّة، وذلك لغياب مبدأ أساسي وهو تكافؤ الفرص، ففي ظلّ تفشّي الرشوة والمحسوبيّة، فقط من يمتلك الإمكانات الماديّة أو شبكة من العلاقات سيستطيع النجاح في مناظرات الوظيفة العموميّة أو سيعيّن في الشركات الخاصّة، بينما سيحرم من لا يحظون بالدعم من تلك الفرص رغم مستواهم العلمي الذي قد يفوق أولئك المقتدرين.

*ما طبيعة عمل جمعيّة المواطنة والتنمية في الشمال الغربي؟ وكيف نشأت فكرة تأسيسها؟
تعود الجذور الأولى لتأسيس الجمعية إلى ثورة يناير/كانون الثاني التي استطاعت أن تحرّر الوعي الشعبي، وتحرّر المبادرة لينخرط المجتمع المدنيّ ‏في التعاطي مع كلّ القضايا والتحديّات التي تواجه البلاد. فتونس بعد 4 سنوات من الثورة، تعجّ بالجمعيات والمنظّمات المدنيّة ‏التي ناهز عددها هذا العام 17 ألف جمعيّة.‏
وقد تكوّنت فكرة جمعيّة المواطنة والتنمية في الشمال الغربي انطلاقاً من وعي المجموعة المؤسّسة بضرورة وجود تنظيمات ‏وهيئات محليّة في منطقة الشمال الغربيّ لتونس للدفاع عن مصالحها وتكثيف جهود التنمية الاقتصاديّة والبشريّة.
‏فهذه الرقعة الجغرافيّة من البلاد تعدّ واحدة من أفقر المناطق في تونس وتتضاعف فيها نسب البطالة والفقر عن المعدّل ‏الوطنيّ، لتصل في مناطق "جندوبة" و"الكاف" على سبيل المثال إلى 30%.‏ كما أنّ نشاط الجمعيات في هذه المنطقة كان شبه غائب قبل الثورة، فيما عدا بعض الجمعيات الصوريّة التي موّلها النظام ‏السابق بغية تلميع صورته وخدمة مصالحه السياسيّة.‏

*هل كانت فكرة تأسيس هذه الجمعيّة مبادرة فرديّة أم جمعت العديد من الأطراف؟
لم تكن هذه الجمعيّة نتيجة جهد فرديّ، بل ثمرة اجتهاد مجموعة من المواطنين من مختلف الاختصاصات والأوساط ‏الاجتماعيّة الذين التقوا على أرضيّة عمل مشتركة جمعهم حلم موحّد بتطوير هذه المنطقة وانتشالها من الفقر والجهل والرفع ‏من مستوى الوعي الجماعيّ. بالإضافة الى إرساء ثقافة مواطنة حقيقيّة تجعل من كلّ فرد مسؤولاً عن تطوير بلاده.‏
بالإضافة الى ذلك، فإن رؤيتنا المشتركة اتجاه حاجة مجتمعنا لشبكة من الجمعيات المناضلة في كل المجالات وعلى ‏جميع المستويات شجعنا لخوض غمار تأسيس هذه الجمعية. فالحكمة في أن نتجمع ونقدم ما نقدر على فعله لمواطنينا ولبلدنا كل ‏في مجاله، وبحسب طاقته. ومن هنا انطلق العمل على بعث الجمعيّة التي رأت النور في الخامس عشر من شهر أيار/مايو 2011.‏

*هل وضعتم شروطاً لانخراط الشباب في عمل الجمعيّة، وخصوصاً مسألة الانتماء السياسيّ؟
مسألة الانتماء السياسيّ طرحت خلال جلسات تأسيس الجمعيّة، وقد اخترنا أن ننأى بأنفسنا عن التصنيف السياسيّ كي ‏نفتح المجال للجميع للانخراط والنشاط من دون حساسيّات وحسابات مسبقة. فالتموقع السياسيّ سيحدّ من قدرتنا على التوجّه ‏للجميع وسيجعلنا مكبّلين بالتصنيف والأحكام المسبّقة والمواقف السياسيّة، فيما يشكل هدفنا الرئيسيّ العمل على تحقيق التنمية ‏للجميع من دون إقصاء أو فرز وخدمة كلّ المجتمع بلا استثناء. فالفقر والجهل والجوع واحد، ‏لذلك فالمعركة والهدف أسمى من الإيديولوجيات والحسابات السياسيّة.‏

*هل وضعتم أهدافاً واضحة لعمل الجمعيّة؟ وما هي محاور نشاطاتكم الرئيسيّة؟
بعد الثورة وانهيار النظام القمعيّ، أصبحنا نواجه أنواعاً أخرى من التحديات التي لا تقل خطراً عن الماضي. لذلك فإن ‏مهمة المجتمع المدني قد تعاظمت وهو ما يتطلب من كل تونسيّ واع بأبعاد ثورة 14 يناير، تقديم مساهمته في بناء مجتمع ‏المواطنة والديمقراطية والحرية والقضاء المستقل والتنمية المحلية التي تعود بالنفع المباشر على كل التونسيين. ‏
وقد وضعنا لأنفسنا العديد من الأهداف التي من أهمّها المساهمة في تنمية وإثراء الوعي بأهداف الثورة، والتعريف بالإمكانات ‏الطبيعية والفلاحية والثقافية والأثرية والسياحية، والعمل على حسن استغلالها في التنمية المحلية.‏ كما نعمل على مساعدة المواطن على معرفة حقوقه وكيفية الدفاع عنها، ومعرفة واجباته وكيفية الالتزام بها في جميع ‏المجالات. بالإضافة إلى نشر ثقافة حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة.‏

*ما هي آليات العمل التي تعتمدونها لبلوغ هذه الأهداف؟
لتحقيق أهداف الجمعيّة وضعنا خطط عمل تقوم على تنظيم اللقاءات والورشات والندوات والمحاضرات والمعارض ‏والأمسيات الفنية، بالإضافة إلى حلقات تكوينية للناشئين من أجل المساهمة في التربية على احترام الآخر والتفاعل بالإيجاب ‏مع الرأي المخالف.‏ أمّا في المجال العمليّ، فعملنا على تنظيم حلقات تكوينية وتدريبية تعين الشباب على إنجاز المشاريع والاندماج في الحياة ‏المهنية والمساهمة في إعداد البرامج والمشاريع الاجتماعية والتنموية حسب الإمكانيات المتاحة في مختلف الميادين المستهدفة ‏والبحث عن مصادر تمويلها لفائدة الشباب وذلك بالتنسيق والتعاون مع الجمعيات والمؤسسات ذات الأهداف والاهتمامات ‏المشتركة محلياً ووطنياً و دولياً.
كما نحاول الإسهام أيضاً في المجال البيئيّ عبر تنظيم حملات توعية بيئية وصحية وغيرها. إنّ مهمّتنا الأساسية كما نراها هي مساعدة المواطنين على اكتساب الثقافة الحقوقية والاقتصادية وإشاعتها كي لا يتمّ ‏التلاعب بعقول النّاس، وكي يمتلك هؤلاء حصانة من الوعي والثقافة التي تمكّنهم من التعاطي مع مشكلاتهم بحكمة والقيام ‏بالاختيارات السليمة في ما يخصّ حياتهم المهنيّة والاجتماعيّة.‏
بالإضافة الى ذلك، حاولنا خلال الفترة الأخيرة، العمل على جمع وتوثيق أرشيف الذاكرة الجماعية للمنطقة وتنمية الشعور بالانتماء للوطن ‏كجزء من مشروعنا الكبير لترسيخ ثقافة المواطنة.‏

*هل وجدتم تفاعلاً من الأهالي؟ وهل استطعتم إيجاد التمويلات اللازمة والدعم لمواصلة نشاطاتكم؟
طبيعة أهالي هذه المنطقة الريفيّة تمنحهم قدرة فطريّة على تمييز الجيّد من السيئ. وقد آمنوا فعلاً بمشروعنا وبصدق عملنا ‏وهو ما نلمسه خلال لقاءاتنا اليوميّة مع المواطنين الذين لا يبخلون علينا بالدعم المعنويّ والتشجيع، وأحيانا كثيرة يتبرّعون ‏بمركباتهم ومالهم لمساعدتنا على التنقّل إلى الجهات النائيّة.‏ كما أن الدولة بدورها تحاول مدّ يد المساعدة عبر توفير التسهيلات الإداريّة، وتقديم دعم ماديّ سنويّ يبقى دون المأمول، خصوصاً إذا ‏ما قارناه بحجم طموحاتنا ورغبتنا في التحرّك أكثر نحو المناطق المعزولة، وهو ما يتطلّب مصاريف كبيرة وموازنات معتبرة.‏ كما أنّنا حظينا بدعم الأمم المتحدة من خلال برنامج الإنماء الذّي خصّصته لتونس، وقد زارنا وفد من الهيئة الأممية، واطّلع ‏على نشاطاتنا وإنجازاتنا ووعدنا بتقديم المزيد من الدعم في كلّ المستويات.‏

*هل تخشون من تراجع هذا الزخم الكبير من النشاط الجمعياتي مع تقادم الثورة وانتهاء المرحلة الانتقالية؟
بالتأكيد سيكون لاستقرار الأوضاع السياسيّة ارتدادات حتميّة على نسق نشاطات المجتمع المدنيّ، ولكنّ وحتى هذه اللحظة، ‏وتيرة العمل لم تتراجع، وما زال الحماس موجوداً لدى المواطنين للانخراط في النسيج الجمعياتيّ، خصوصاً مع تزايد النفور ‏الشعبيّ من الأحزاب. كما أنّ العمل المدنيّ هو الضامن الوحيد لمناخ الشفافيّة والحريّة، كونه ينأى بنفسه عن ‏التجاذبات.
المساهمون