صفقة القرن... من يوم الأرض إلى تبادل الأرض

30 مارس 2018
تحضير لمسيرات يوم الأرض (Getty)
+ الخط -

تبدو 
"صفقة القرن" التي يروج لها عرابو التسوية الجدد في المنطقة العربية، للوهلة الأولى، وكأنها تستهدف قطاع غزة، وتعني في معناها القريب إقامة دولة غزة باستقطاع جزء من أراضي سيناء يساوي ضعف المساحة الحالية يزيد قليلا أو يقل، تختلف المسميات لكن الهدف واحد، ليبقى التساؤل المشروع ما العلاقة بين يوم الأرض وصفقة القرن؟

باختصار وقبل الخوض في التفاصيل فإن يوم الأرض يعني حفظ الأرض وإبقاء الفلسطيني عليها، وصفقة القرن تعني سلب الأرض وتحريك الفلسطيني من أرضه إلى أرض أخرى تخطها إسرائيل وينفذها حلفاؤها، لم ينته ولم يتلاش يوم الأرض؛ لكن المشاريع والمخططات كبرت وتطورت حتى باتت صفقات وإن اختلفت أشكالها ومسمياتها فإن هدفها واحد.

الهدف هو إلغاء حق العودة والالتفاف عليه بإبقاء الأرض محتلة وتجنب انفجار الكثافة السكانية الفلسطينية بمزيد من الطرد إلى أراض لا يوجد بينها وبين إسرائيل نقاط تماس. وغزة في عين العاصفة التي تريدها صفقة القرن. لأنها-غزة- أرض وفق العقيدة اليهودية لا تعتبر جزءا من أرض الأسباط التي يريدها اليهود لذلك يُحشر فيها اليوم ما يقرب من 2 مليون فلسطيني محاصرين منذ أحد عشر سنة. حتى بات الأمر أشبه بالسجن بل إن بعض السجون يحظى السجين فيها ببعض الكهرباء والدواء والماء.

لا ذنب ارتكبه سكان قطاع غزة أكثر من تمسكهم بحقهم، لكنه الترويض فالسجن يعني القبول بما تريده إسرائيل وتنفيذ ما فشلت فيه على مدار عمر النكبة حتى تبدو صفقة القرن الحل والخيار الأمثل والبوابة الوحيدة للسجن المتواصل على مدار عقد كامل. حتى لو بدت الصفقة تقسيم الوطن وتقطيع أوصاله، وعزل غزة عن الضفة؛ والضفة عن القدس؛ والقدس عن فلسطينيي العام 48 وإخراج اللاجئين من المعادلة. كان يوم الأرض ملحمة فلسطينية لربط كل هذه المكونات ببعضها وعندما فشلت إسرائيل في إجهاضه التفت عرابوها لاستحداث صفقة القرن.

قبل الصفقة كانت خطة غيورا ايلاند، وهو رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، التي عرضت، أول الأمر، في مؤتمر هيرتسيليا (13/12/2004) وتنص على أن  تمنح مصر قطاع غزة مساحة من سيناء تبلغ نحو 600 كلم2 على امتداد الحدود مع مصر بطول 60 كلم وعرض 10 كلم. ومقابل ذلك تحصل مصر على منطقة بديلة في النقب 200 كلم2 هي وادي فران مع طريق يربطها بالأردن، ويخضع للسيادة المصرية. ويُمنح الفلسطينيون ميناء بحرياً في غزة ومطاراً بالقرب من رفح. لم ولن تختلف كل المخططات عن الخطوط العامة لهذه الخطة حتى أوسلو عندما تبلورت لم تكن أكبر من مجرد اتفاق يتعلق بغزة وأريحا أولا.

حتى الحل الذي استحدثه شارون كان عبارة عن التخلص من قطاع غزة بسكانه، لكنه لم يُنه المأزق الإسرائيلي لبناء دولة يهودية نقية، كل محاولات الطرد والتهجير والإبعاد لم تفضِ للتخلص من الشعب الفلسطيني، فكان يجب التخلص نهائيا من القضية الفلسطينية بتفكيك مكوناتها سياسيا وبشريا وجغرافيا، ولن توجد ظروف داخلية وإقليمية وعربية ودولية أفضل مما يحدث الآن. خاصة على جبهة سيناء موطن الحل الصهيوني منذ مشروع التوطين مطلع خمسينيات القرن الماضي.

لم يتشكل حل أو مخرج أو مسار أو مستقبل يتعلق بالقضية الفلسطينية منذ النكبة بمعزل عن مصر، حتى بناء ونشأة الحركة الوطنية الفلسطينية بشقيها الوطني والإسلامي لم يكن بمعزل عن مصر، بل إن ذهاب منظمة التحرير الفلسطينية صوب التسوية لم يكن بمعزل عن مصر وذهابها المبكر صوب التسوية مع إسرائيل عقب حرب العام 73 ؛حتى سميت الخطوة الفلسطينية اللاحقة لخطوة مصر كامب دافيد 2 لتبدو وكأنها استكمالا لكامب ديفيد الأولى التي خطها أنور السادات.

واليوم لا يمكن أن تمر صفقة القرن ومكوناتها بدون مصر التي تذهب كل المؤشرات إلى أنها جزء من الصفقة، تنفيذها وتمريرها وتهيئة كل الظروف لها، حتى وإن اقتضى ذلك التصالح مع حماس التي يحاكم رموز مصر السابقين بتهمة التخابر معها، وباتت شاحنات السولار تمر إليها دون تعطل؛ في دلالة ظاهرها عكس باطنها، فالظروف التي تسمح بمرور السولار لم تكن كافية لفتح المعبر مثلا ورفع الحصار، تصالحت مصر مع حماس واستضافت قياداتها على مدار أسبوعين وأوفدت وفدها لقطاع غزة واستدارت عن الرئيس محمود عباس لا لخلاف أو اختلاف ولكنه ببساطة لم يعد جزءاً من المشهد وفق المخطط وقد لا يكون قادرا على إكمال المهام المنوطة به وخاصة أن المشهد يتهيأ للوراثة.

إن تسوية المشهد السياسي الفلسطيني مصريا لا تختلف عن تسوية أرض سيناء وتمهيدها وتسويتها وإفراغها من سكانها الأصليين كما يتم تفريغ الساحة الفلسطينية من كل الفاعلين القادرين على إبطاء تنفيذ صفقة القرن. فالصفقة تسير الآن وفق المخطط له دون تعطيل كل طرف يقوم بالدور المنوط به لا سيما الطرف العربي وعلى رأسه مصر والسعودية والإمارات، وتعمير سيناء جزء من مخطط وجزء من مشروع إقليمي بات يتشكل ويعلن عنه بشكل رسمي تقوده السعودية، كثيرة هي التفاصيل ولكن الحقائق على الأرض أكثر. فمشروع نيوم مرحلة، ومؤتمر واشنطن لمساعدة غزة وإنقاذها مرحلة، وهي مرحلة يغيب عنها الفلسطينيون وتحضر فيها واشنطن وتل أبيب ومصر والأردن والسعودية والإمارات والبحرين، والمفارقة أن الاجتماع كان بدعوة وتخطيط من جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأميركي ومستشاره للسلام في الشرق الأوسط، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب جيسون غرينبلات وعراب صفقة القرن أيضا.

بدا المشهد كمدرس يُملي على تلاميذه الواجبات؛ إذ خاطب غرينبلات المشاركين في الاجتماع بأنه "لا عذر لديكم لعدم التحرك، فالتقاعس لا يزيد معاناة أهالي قطاع غزة فقط، بل يزيد من التحديات الأمنية لمصر وإسرائيل على حدٍ سواء". لم تكن الظروف الإنسانية في القطاع وليدة اللحظة ولكنها معاناة تعدت 11 عاما متواصلة، لم يكن البعد الإنساني هو الدافع لكنها المرة الأولى التي يلتقي فيها الأشقاء العرب بنظرائهم الإسرائيليين على طاولة البحث في مصير غزة.

لم يكن مؤتمر واشنطن بمعزل عن مجموعة تطورات متلاحقة ومترابطة؛ ففي الرابع من يناير/كانون الثاني الماضي أعاد تأجيل محكمة مصرية النظر في قضية أقيمت لـ"وقف تنفيذ مخططات إعادة توطين الفلسطينيين بأراض بشبه جزيرة سيناء"، الجدل بشأن حقيقة وجود مخطط لتفريغ شبه جزيرة سيناء ضمن ما بات يعرف باسم "صفقة القرن" التي قالت تقارير صحفية غربية إن الإدارة الأميركية تتبناها بعد توافق مع السعودية ومصر وإسرائيل. وهو ما تفيد به التطورات السياسية والأمنية التي شهدتها شبه جزيرة سيناء في السنة الأخيرة، وما رافقها من حماسة مفاجئة من قبل النظام المصري لملف المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس وإحداث تغييرات في قطاع غزة.

إسرائيليا وقبل 14 يوما من مذبحة مسجد الروضة في بئر العبد دعت وزيرة المساواة الاجتماعية في الحكومة الإسرائيلية، جيلا جمليل، إلى إقامة دولة فلسطينية في شبه جزيرة سيناء المصرية. وتحرص الوزيرة بأنه يجب أن تقام الدولة الفلسطينية على أجزاء من شبه جزيرة سيناء، مضيفة أن فكرة إقامة دولة فلسطينية في سيناء ستحسن من الوضع الاقتصادي المصري، وتزيل تهديد تنظيم داعش.

تُجمع مجموعة أراء وقراءات مصرية إعلامية وسياسية على أن خطة تفريغ سيناء، والتقدم في ترتيبات صفقة القرن ليسا بعيدين عما يحدث، فإذا لم يكن الموساد هو الفاعل، فهو المخطط والمدبر، وعلينا أن نفتش عن أدوات التنفيذ، وعن المشاركين بالإمداد أو بالتواطؤ، أو بالعلم والصمت. صحيفة الأهرام ذهبت أبعد من ذلك عندما تناولت أن صفقة القرن تحسم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتهدف لتسكين الفلسطينيين في سيناء وتفريغ الضفة الغربية منهم. إن ما يحدث في سيناء، ليس نزوحا نتيجة اضطهاد طائفي من مسلمين لأقباط، بل تفريغ مخطط ومتعمد لجميع سكان سيناء… في أغسطس/آب يمكن تصنيفه قبلياً، وفي ديسمبر/كانون الأول يمكن تبريره باعتبارات أمنية، وفي فبراير/شباط يمكن تقديمه بمسوغات طائفية، لكنه في الحقيقة: خطوة تخطوها إسرائيل باتجاه النيل، لتحقيق إستراتيجيتها المعلنة والمكتوبة على جدران مؤسساتها الرسمية: من الفرات إلى النيل.. أرضك يا إسرائيل.

لم يكن الأمر لينتهي عند هذا الحد، إذ فجأة وبعدما تجاوزته الأحداث ظهر الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك يوم 29 نوفمبر 2017 ليقول بأنه رفض مشروعا قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سنة 2010 واقترح فيه نقل اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في المخيمات بلبنان إلى شبه جزيرة سيناء ضمن عملية لتبادل الأراضي في إطار اتفاق سلام. وقد كشفت صحيفة فرانكفورتر الألمانية أن ما يفعله نظام السيسي بشبه جزيرة سيناء يؤشر لإِعداد هذه المنطقة لإقامة دولة فلسطينية فوقها، خاصة أن الرجل أول من استخدم مصطلح صفقة القرن عقب مباحثاته في إبريل من العام الماضي بالبيت الأبيض مع نظيره الأميركي دونالد ترامب.

إن صفقة القرن تتجاوز ترحيل الفلسطينيين من غزة أو الضفة إلى شمال سيناء، إلى البحث في قضية تهجيرهم من القدس إلى العريش ومحيطها، وهو عين ما استهدفته إسرائيل على مدار عمر القضية الفلسطينية، وتصدى له الفلسطينيون بإعلان يوم الأرض الخالد، ويتصدون الآن لصفقة القرن بمسيرة العودة الكبرى.