صفحات الطبخ اليمنية... كأنها تحدث في بيت واحد

28 ابريل 2020
لا يُسمح في معظم هذه الصفحات بالترويج الإعلاني (Getty)
+ الخط -
كثيرة هي الصفحات اليمنية على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، التي تحكي في السياسة وأمورها. ومن تلك الصفحات، ما تشتغل مع جهة سياسية محدّدة أو مع جبهة مناطقية تسعى إلى النيل من الجبهة الأخرى. هو الموقع الأزرق وقد صار ساحة لـ"حرب أهلية" افتراضية، لكن أثرها ينعكس تماماً على الأرض وفي تعامل اليمنيين مع بعضهم على تلك المواقع.
لكن حصل أن قام بعض الشباب بتأسيس صفحات لا شأن لها بالسياسة، بل تعنى بالطبخ فقط. صفحات في أغلبها غير مفتوحة ولا بد للراغب في دخولها أن يطلب اشتراكاً وتتم الموافقة عليه لاحقاً من قِبل المشرفين عليها.

الحجر المنزلي والتزامن الذي حصل مع حلول شهر رمضان عملا على تنشيط هذه الصفحات على نحو غير مسبوق على الرغم من كون بعضها مؤسساً منذ فترة سابقة بكثير لزمن الحجر الكوروني. لكن ظهر كأن البقاء في البيت طوال الوقت أعاد علاقة اليمنيين مع مطابخهم، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين يقيمون خارج البلاد، من مغتربين وطلبة ومقيمين دائمين قد نالوا جنسيات البلاد التي يعيشون فيها، أو الفتيات حديثات العهد بالزواج وعلاقتهن رديئة مع المطابخ، أو حتى فتيات يدرسن في خارج اليمن ولم يعد من الممكن طلب الأكلات السريعة من خارج البيت بسبب الحجر؛ فلجأن إلى هذه الصفحات من أجل امتلاك وصفات سهلة للأكلات اليمنية وعلى وجه الخصوص المتعلقة بالمائدة الرمضانية.

الأساس في تلك الصفحات هو طلبات المشورة في طبخات يمنية محلّية بذاتها قد تجد إجابات من المشتركين في الصفحات، لكن ليس بالضرورة أن تنجح بعد تطبيقها في المطبخ. قد تفشل في أحيان كثيرة، لكنها قد تنجح مع بعضهم، ويقومون بالتالي بنشر صور طبخاتهم الناجحة على الصفحة نفسها. وهكذا تمر طبيعة الصفحات. مشاورات وكأنها تحدث في بيت واحد. وفوق هذا هناك مشاركات من طبّاخين يمنيين معروفين، ويعملون في مطاعم عربية شهيرة ويقومون بتقديم خبراتهم على المشتركين مع الشرح والصور، وفي أحيان أُخرى مع مقاطع فيديو تشرح على نحو واضح وبسيط طريقة عمل تلك الطبخات.

الطواهش والطهشوشات
"لا كلام في السياسة أو الدين أو المذهبية والطائفية". لعلّ هذا هو الشعار الكبير لغالبية تلك الصفحات اليمنية التي بدأت في الانتشار على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. كأن هؤلاء الشباب قد ملّوا من الحديث الكثير في أمور السياسة التي لا يملكون من أمرها شيئاً أو من الدخول في عوالم الكراهية تلك التي انتشرت على الصفحات الكثيرة وتعمل على تعميق الأدوات المُساهمة في تأجيج لهيب الانقسام بين الناس جرّاء الحروب اليمنية المتتالية.
يقول علي الباشا وهو مؤسس صفحة "طواهش والطهشوشات" في حديث مع "العربي الجديد" إنّ الفكرة أتت بداية من متابعته الكثيرة لصفحات شباب يمنيين يقيمون في الغُربة وهم ينشرون على نحو منتظم مواهب في الطبخ. ويوضح الباشا أن هذا دفعه لتأسيس الصفحة. أمّا الاسم فقد أتى من تسمية شعبية يمنية تُطلق على الفرد الذي يأكل كثيراً بـ"الطاهش"، نسبة لكائن أسطوري في اليمن كان يُدعى "طاهش الحوبان" يقوم بأكل أي إنسان موجود خارج أسوار مدينة تعز اليمنية وقت حلول المساء.

في هذه الصفحة، مثل غيرها من غالبية الصفحات المتخصصة في الطبخ، لا كلام في السياسة ومن غير المسموح التجاوز الشخصي في حق الأعضاء. يقول الباشا إنّ المشرفين على الصفحة منتشرون في أكثر من قارة، بحيث يكون الإشراف على منشورات الصفحة على نحو مستمر طوال اليوم: "أي تجاوز من أي عضو غير مسموح به ونحن نعطيه في البداية الإنذار الأول وإن تكرر الأمر يكون قرار الإبعاد النهائي. الصفحة مقفولة ولا يمكن لأحد دخولها من غير أخذ القبول من المشرفين عليها". وعلى نفس الوتيرة تسير صفحة "المطبخ اليمني" التي تجاوز عدد المشتركين فيها الـ70 ألفاً. الكلام في الطبخ فقط. لكن مع اختلاف منع أي منشورات تأتي على هيئة إعلانات للمطاعم. وفي تعريفها عن نفسها توضح الصفحة أنه "يُسمح فقط بنشر ترويج للمشاريع المنزلية التي يبحث أصحابها عن رزق"، عبر الطبخات التي يحضرونها في بيوتهم، وتحتاج ترويجاً، أو بعرض صور بعض الرجال وهم يقومون بتوزيع ما يقومون بتصنيعه في بيوتهم وعرضها في الشوارع، وعلى وجه الخصوص تلك المواد القابلة للاستهلاك على وقت زمني طويل، مثل البهارات الخاصة بالطبخات الشعبية وتحتاج وقتاً من أجل تجهيزها.

جائع
صفحة "جائع" واحدة من الصفحات التي تجاوز عدد متابعيها والمشتركين فيها قرابة الـ70 ألفاً. الغريب في أمر هذه الصفحة أن لا أحد يعرف هوية مؤسسها. يذهب فقط في جولات على أمكنة الأكل في العاصمة اليمنية صنعاء يلتقط صوراً للوجبات التي يطلبها ثم يعطي انطباعه عنها. يقوم فقط بتعريف نفسه بأنه "شاب يمني هوايتي الأكل وأحب تذوق الطعام. أبحث دائما عن أفضل المأكولات والمشروبات وأقدم لكم تجربتي الشخصية عن كل ذلك". ومن النقاط اللافتة في هذه الصفحات أن تأثيرها صار ملحوظاً في طريقة تعامل أصحاب بعض المطاعم اليمنية معها على نحو تفاعلي. كأن أصحاب هذه المحلّات قد امتلكوا وعياً جيّدا بأهمية التسويق والترويج لأماكنهم؛ فصاروا يمنحون تخفيضات لأعضاء تلك الصفحات، هذا على الرغم من كون بعضها لا يوافق على نشر منشورات يبدو فيها الشق الدعائي لمطعم بعينه.
وذلك من باب الترويج في حين توافق صفحات أُخرى على ذلك، كون الهدف من تأسيسها إعطاء الناس معرفة بها وبأفضل الأمكنة التي يمكن أن يطلبوا منها وجباتهم أو الذهاب إليها في الوقت السابق لزمن كورونا مع أخذ الاعتبار بأن اليمن لا يزال من البلدان القليلة في العالم التي لم تقرّر بعد مسألة قفل المطاعم والحجر الصحي على نحو تام، وإنما الأمر يحصل بشكل اختياري للناس الذين يرفضون الخروج من منازلهم والاحتكاك بالأماكن المزدحمة. لكن هذا لا ينطبق على اليمنيين المقيمين خارج البلاد ويعيشون في المهجر، حيث الحجر الصحي والمطاعم مقفولة باستثناء خدمة التوصيل إلى المنازل.
المساهمون