صعود ترامب يحيي السوق السوداء للنقد الأجنبي في إيران

27 ديسمبر 2016
هبوط متسارع للعملة الإيرانية (Getty)
+ الخط -


أخذت العملة الإيرانية في الهبوط المتسارع خلال الأشهر الستة الأخيرة، فاقدة نحو 19% من قيمتها رغم آمال الاستقرار، التي سادت الأسواق عقب رفع العقوبات الدولية مطلع 2016، لتنشط السوق السوداء من جديد، ما دفع البنك المركزي إلى السماح لبعض المصارف المحلية، بتداول العملات الأجنبية وفق السعر في السوق الحرة.
ووصل سعر الدولار الواحد في سوق الصرف الحرة إلى 42 ألف ريال، بينما تبلغ قيمته وفق سعر البنك المركزي 32.3 ألف ريال، مسجلاً أضعف مستوى له منذ 2012، فيما تسببت الفجوة الأخذة في الاتساع بين السعرين الرسمي والحر في تسرب العملة الصعبة خارج النظام المصرفي، حيث كان سعر الدولار في السوق الحرة يتراوح خلال فترات ماضية بين 34 و35 ألف ريال.

وعزا خبراء اقتصاديون انخفاض العملة المحلية إلى بعض العوامل، من بينها صعود الدولار أمام كثير من العملات في الأسابيع القليلة الماضية، وحالة الضبابية التي تسبق الانتخابات الرئاسية في إيران العام القادم.
لكنهم قالوا إن انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يمثل عاملاً رئيسياً في الاضطراب الذي تشهده السوق الإيرانية، لاسيما بعد أن قال إنه سيلغي الاتفاق النووي المبرم بين إيران والقوى العالمية، والذي تم بمقتضاه رفع العقوبات عن الاقتصاد الإيراني في يناير/ كانون الثاني الماضي.

ومن شأن موقف ترامب أن يعرقل جهود طهران الرامية لجذب أموال أجنبية بعشرات المليارات من الدولارات لمساعدتها على تطوير اقتصادها، بينما كانت التدفقات الواردة إلى البلاد منذ يناير/ كانون الثاني أقل مما توقعته الحكومة، وهو ما يرجع لأسباب من بينها خشية المصارف الدولية الكبرى من الوقوع في مشكلات قانونية مع الولايات المتحدة إذا تعاملت مع إيران.

ويعتقد كثير من المحللين أن واشنطن ستحجم عن إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، لكنها قد تطبق العقوبات المتبقية على طهران بشكل أكثر صرامة، وعلى أقل تقدير فإن الغموض الذي يكتنف نوايا واشنطن قد يجعل الشركات في أرجاء العالم أكثر حذراً بشأن التجارة مع إيران أو الاستثمار فيها.
ودعت هذه التطورات، الحكومة الإيرانية إلى التفكير في عدد من الخيارات في محاولة للتحكم بالسوق السوداء، التي تساعد بدورها على خلق تبعات سلبية تؤثر على البنية الاقتصادية للدولة الطامحة إلى نفض غبار العقوبات الدولية.

ويرى سعيد ليلاز، المستشار الاقتصادي للرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن سماح الحكومة لبعض المصارف بتبادل العملات الأجنبية وفق سعر السوق الحرة (السوداء) سيدعم الاستقرار.
ويقول ليلاز إن طهران عانت من انخفاض قيمة عملتها المحلية أمام الدولار وغيره من العملات الصعبة، لكن رفع معدلات إنتاجها النفطي وصادرات الغاز الطبيعي من ناحية، واستقرار أسعار النفط عقب اتفاق أوبك على تثبيت الإنتاج من ناحية ثانية، يجعل الحكومة تفكر ملياً في خطوات قد تساعدها على جني التبعات الإيجابية لكل هذه التحولات، التي وقعت بعد التوصل للاتفاق النووي في يوليو/تموز 2015، ودخوله حيز التنفيذ العملي وإلغاء العقوبات الاقتصادية عن البلاد في يناير/كانون الثاني 2016.

ويعتبر ليلاز أن حال الاقتصاد الإيراني إيجابي رغم كل الشكاوى من عدم جني ثمار الاتفاق المرجوة بشكل مثالي، مشيراً إلى أن واردات البلاد من البضائع بلغت في عام 2011 ما يعادل 100 مليار دولار، لكنها انخفضت الآن إلى أقل من 70 ملياراً، وهو ما يعني أنها خطوة هامة، حيث إن طهران تعمل جاهدة على رفع مستوى صادراتها مقابل خفض الواردات.
وحسب المستشار الاقتصادي السابق فإن تعاملات الصرف ليست بيد الحكومة بالكامل، ولطالما لعبت السوق السوداء دوراً ساهم بشكل أو بآخر بانهيار العملة المحلية، معتبرا أن الخطوة الحكومية تعني التحكم بالسوق السوداء مستقبلا وبالتالي تحسن قيمة الريال، خاصة أنه من المتوقع أن تشمل هذه الخطوة كل المصارف مستقبلاً ولكن بعد التطبيق بشكل تدريجي.

لكن عبد المجيد شيخي، الأستاذ الجامعي في علم الاقتصاد، يعتبر أن الخطوة الأخيرة غير كافية ولن تحقق المطلوب، مشيرا إلى أن عرض العملات الأجنبية في المصارف بهذه الطريقة قد يؤدي بالفعل لارتفاع قيمة الريال الإيراني ولكن بشكل مؤقت وهو ما سيقلل من فاعلية وقدرة المصارف على التحكم بالأمور.
ويرى شيخي في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن العملات الصعبة لا تفيد السوق الإيرانية، مؤكدا ضرورة اتخاذ خطوات تحصينية من عقوبات اقتصادية قادمة.

ويقول إن معظم التبادلات حتى المحلية منها تتم بالعملة الصعبة وعلى رأسها الدولار واليورو، بينما يجب الاستغناء عن هاتين العملتين في المبادلات الداخلية والتقليل من أهميتهما لدى المواطنين، مشيرا إلى ان قيام الحكومة بخطوات من هذا النوع يعني تجاوز عقبات أي حظر اقتصادي محتمل.
ويضيف: "العقوبات الماضية استهدفت التبادلات الإيرانية الخارجية على وجه الخصوص، وهو ما أدى لانهيار العملة المحلية أمام الدولار"، معتبرا أن السوق السوداء لعبت دوراً كبيراً لكن على الحكومة اتخاذ خطوات صارمة والعمل على تعزيز قيمة عملتها المحلية أكثر.

ولم تخف تقارير إعلامية محلية، وجود قلق من احتمال تغير الموقف الأميركي بشأن الاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات عنها.
واعتبرت وكالة أنباء فارس الإيرانية في تقرير نشرته مؤخراً، أن فوز الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، انعكس على السوق الإيرانية، مشيرة إلى أن سياساته المعادية لإيران وتصريحاته هي ما تسببت في تذبذب الأسعار في السوق.

وأفاد التقرير أن القلق من إلغاء الاتفاق النووي بين إيران والغرب، خلق مخاوف عديدة لدى المستثمرين الأجانب الراغبين بتطبيق صفقات مع أطراف إيرانية، وعزز القلق من عدم قدرة الحكومة على تثبيت قيمة سعر الصرف مستقبلا وتوحيد السعر في السوقين الرسمية والسوداء، لاسيما أنها حاولت القيام بذات الأمر في تسعينيات القرن الماضي، إلا أن الأحوال الاقتصادية المتردية الناتجة عن تبعات العقوبات الغربية على البلاد تسببت بنشاط السوق السوداء.
لكنّ مسؤولين ومصرفيين إيرانيين نفوا وجود أي علاقة بين نتيجة الانتخابات الأميركية وهبوط الريال. واعتبر وزير الاقتصاد علي طيب نيا، في تصريحات صحفية أن تذبذب الأسعار خلال العام الجاري كان محدوداً، واصفا إياه بالطبيعي.

وعزا صمد كريمي مدير إدارة الصادرات في البنك المركزي الإيراني، هبوط العملة الإيرانية إلى ارتفاع مؤقت في الطلب على الدولار لأغراض السفر والتجارة في نهاية العام، بحسب ما أوردته وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء الرسمية "ارنا" قبل أيام.
وقال محمد باقر نوبخت المتحدث باسم الحكومة الإيرانية يوم الاثنين، إن هبوط الريال يرجع إلى "أسباب نفسية" وإن الحكومة تأمل بتعافيه خلال أيام.

واعتبر رضا بديدار، عضو هيئة ممثلي غرفة تجارة طهران، في تصريحات أدلى بها لوكالة فارس للأنباء، أن الطلب على العملات الصعبة زاد مؤخرا من قبل بعض الإيرانيين المسافرين للخارج لقضاء عطلة أعياد الميلاد.
لكن متعاملين في بعض مكاتب الصرافة في العاصمة طهران، أبلغوا رويترز يوم الاثنين الماضي، أنهم لم يشهدوا زيادة مفاجئة في الطلب على الدولار خلال الأسابيع الماضية.

وبحسب تقرير رويترز فإن أسباب تراجع الريال ربما تكون مزمنة، وأنه إذا استمر ذلك فإن ضعف الريال قد يصير مشكلة سياسية قبيل الانتخابات الإيرانية المقررة العام القادم، حيث من الممكن أن يؤثر على بعض الإنجازات الاقتصادية للرئيس حسن روحاني الذي تولى الحكم في 2013.
وعملت حكومة روحاني على إعادة الاستقرار للعملة بعد سنوات من التقلب وهو ما ساهم في خفض التضخم إلى معدلات في خانة الآحاد بعد أن تجاوزت نحو 40% في سنوات سابقة.