تسرّب قبل أقلّ من أسبوعين كلام لتيري مكوليف، أحد أبرز قياديي الحزب الديمقراطي، يقول فيه إن من الأفضل أن يبقى مرشح الحزب، نائب الرئيس السابق، جو بايدن، في الطابق السفلي من منزله، نتيجة فيروس كورونا، ويترك الرئيس الأميركي دونالد ترامب يفعل ما يفعل في إضعاف حظوظه الرئاسية بنفسه. مجلة "أتلانتيك" عنونت في إحدى افتتاحياتها: "ابقَ على قيد الحياة، جو بايدن". المزاج العام بين الليبراليين أن فرص بايدن (77 عاماً) للفوز بالانتخابات الرئاسية تتطلب منه البقاء بصحة جيدة، وتفادي الهفوات التي يقع فيها عند كثرة الظهور الإعلامي، وترك ترامب يستمرّ في تخبطه السياسي.
تجري الرياح بما تشتهي حملة بايدن هذه الأيام. يتقدّم في معدل استطلاعات الرأي الوطنية بنحو 9 نقاط على الأقل، ويتفوق على ترامب في الولايات المتأرجحة انتخابياً، مثل فلوريدا وبنسلفانيا وويسكونسن وكارولاينا الشمالية، وينافس أيضاً في الولايات التي تميل تقليدياً إلى الجمهوريين، مثل أريزونا وتكساس. في استطلاع مشترك لـ"رويترز-إيبسوس"، قال 48 في المائة من الناخبين المسجلين إنهم سيقترعون لبايدن في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، مقابل 35 في المائة لترامب. لكن في الاستطلاع نفسه، تأييد بايدن للتعامل مع الاقتصاد كان 38 في المائة، مقابل 43 في المائة لترامب، وهذا يفسّر كيف يركز فريق الرئيس على قدرة الأخير على إدارة الركود الاقتصادي بطريقة أفضل من منافسه الديمقراطي، عبر إطلاق حملة إعادة فتح الاقتصاد، في محاولة لتجاوز تداعيات فيروس كورونا.
حتى الوضع المالي لحملة بايدن أصبح بحالة أفضل، إذ جمعت الحملة 80.8 مليون دولار من التبرعات الشهر الماضي، مقابل 74 مليون دولار لحملة ترامب في الشهر ذاته. لكن بالإجمال، لا يزال لدى فريق ترامب حساب مالي أكبر (265 مليوناً)، فيما لم يعلن فريق بايدن حجم الأموال في حسابه الانتخابي، لكنه أقلّ من قدرة الجمهوريين المالية نتيجة عدم قدرة نائب الرئيس السابق على جمع تبرعات كبيرة في المرحلة السابقة. كذلك فإن بايدن يأخذ كل وقته بلا ضغوط سياسية، لتحديد هوية السيدة التي ستكون نائبة الرئيس، وقد عيّن السيناتور تيد كوفمان ليترأس فريق المرحلة الانتقالية الرئاسي في حال فوزه، وتنهي حملته تحضيرات المؤتمر القومي للديمقراطيين في شهر أغسطس/ آب المقبل في مدينة ميلووكي في ولاية ويسكونسن الذي سيكون عن بعد، وسيبث عبر الإنترنت ومباشرةً على الهواء، حيث سيقبل بايدن رسمياً ترشيح الحزب.
في المقابل، يتصرف ترامب حتى الآن كأن ليس لديه منافس رئاسي، وهذا أمر سيئ لبايدن، حتى لو تقدّم في استطلاعات الرأي، لأن ليس هناك حالياً مواجهة ثنائية وتبادل هجمات كلامية بين مرشحَين يتصارعان على الرئاسة. لكن عاجلاً أو آجلاً، سيضطر نائب الرئيس السابق إلى النزول للميدان، وإلى خوض المواجهة مع الرئيس. حملة ترامب بدأت بمحاولات الاستدراج عبر تصوير بايدن على أنه غير قادر على الحكم، وصحته تتراجع، ولا يعرف إدارة الاقتصاد، وتحاول أيضاً زيادة عدد المناظرات الرئاسية لإجراء مواجهة بين الرجلين. هدف حملة ترامب ليس فقط وقف صعود بايدن، بل استدراجه ليخرج أكثر إلى الإعلام والدفاع عن نفسه، وبالتالي زيادة احتمالات ارتكابه هفوات.
أدى كل من فوز بايدن في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي والركود الاقتصادي الأميركي إلى حرمان حملة ترامب استراتيجيتها للانتخابات العامة، التي كانت تقوم على تصوير ولاية الرئيس بأنها تحت عنوان الازدهار واستغلال دينامية المواجهة مع أقسى اليسار عبر ترشيح السيناتور بيرني ساندرز. لكن فوز بايدن قلب المقاييس وأعاد إلى الوسط حضوره السياسي في المشهد الأميركي، ما دفع المستقلين والجمهوريين المعتدلين نحو نائب الرئيس السابق. وفيما ولايته الرئاسية تترنّح، لم يجد ترامب بعد، ولا حملته، الاستراتيجية الأفضل لهزيمة بايدن. حتى إيجاد مفتاح الفوز هذا، يبدو أن بايدن سيتمتع بتربعه على عرش استطلاعات الرأي، حتى لو كان صعوداً وهمياً سينتهي حتماً في سياق تقلبات السياسة الأميركية.